____________________________________
ثم لا كفر في تعلّم السحر ، بل في اعتقاد ترتّب الأثر عليه بمعنى جعله مستند إليه ، وفي العمل به كذا في شرح العقائد. وقال صاحب الروضة (١) : ويحرم فعل السحر بالإجماع ، وأما تعليمه وتعلّمه ففيه ثلاثة أقوال :
الأول : الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان.
والثاني : أنهما مكروهان.
والثالث : أنهما مباحان. انتهى.
وأما ما ذكره التفتازاني في شرح الكشاف من أنه لا يروي خلاف في كون العمل به كفرا فيخالفه هذا الخلاف مع أن بين كلاميه تناقض وتناف ، وفي شرح القونوي : قال بعض أهل السّنّة : جملة بني آدم أفضل من جملة الملائكة فإن عندنا صاحب الكبيرة كامل الإيمان ، ثم هو مبتلي بالإيمان بالغيب ، فكان أحقّ من الملائكة. انتهى. ولا يخفى فساده لأن صاحب الكبيرة الذي هو فاسق بالإجماع كيف يكون أفضل من المعصوم بلا نزاع ، ولعلّ وجهه أنه من جهة إيمانه الغيبي أفضل من الإيمان الشهودي الحاصل للملائكة ، فتكون الأفضلية من هذه الحيثية مع ما فيه من المنافاة بأن الإيمان يزيد بالإتقان والاطمئنان ، وإن الخبر ليس كالعيان والله المستعان.
وأما ما أجابه القونوي عما تشبث به المعتزلة في تفضيل الملائكة وهو قوله سبحانه وتعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢). فإن هذا يقتضي أن تكون الملائكة أفضل من المسيح ، أي : لن يرتفع عيسى عليهالسلام عن العبودية ، ولا من هو أرفع درجة منه بقوله : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم أفضل من المسيح عليهالسلام ، ولا يلزم من كون الملائكة أفضل من المسيح عليهالسلام كونهم أفضل من محمد صلىاللهعليهوسلم ، ففيه أنه ينتقض بما تقدّم من أن خواص البشر أفضل من خواص الملائكة ، فالجواب : الصواب أن الملائكة صيغة جمع ، فيفيد أن جميع الملائكة أفضل من المسيح ، ولا يقتضي أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح عليهالسلام ، وإنما فيه الكلام ، والله تعالى أعلم بحقيقة المرام.
__________________
(١) هي الروضة في فروع الحنفية للناطفي المتوفى سنة ٤٤٦ ه ، وهي صغيرة الحجم كثيرة الفوائد ، وفيها فروع غريبة.
(٢) النساء : ١٧٢.