____________________________________
فالمراد بالحق الحرمة ، أو الحق الذي وعده بمقتضى الرحمة (١).
ومنها : أن الجنيّ الكافر يعذّب بالنار اتفاقا لقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢). والمسلم منهم يثاب بالجنة عند أبي يوسف ومحمد رحمهمالله ووافقهما بقية أهل السّنّة والجماعة ويؤيّدهم ما ورد في سورة الرحمن عند تعداد نعيم الجنان ومنه قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣) الآيات. وأبو حنيفة رحمهالله توقف في كيفية ثوابهم لقوله تعالى : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٤). من غير أن يقرن به قوله ، ويثبكم بثواب مقيم فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا.
وظاهر مذهب أبي حنيفة رحمهالله التوقّف في كيفية ثوابهم حيث قيل : ليس لهم أكل ولا شرب ، وإنما لهم شمّ ، ولكنه ليس بصحيح لما ورد التصريح بخلاف ذلك في الأحاديث الكثيرة ولا توقف له في استحقاقهم الجنة كالملائكة لأن الله تعالى لم يبيّن في القرآن ثوابهم ، ونحن نعلم يقينا أن الله تعالى لا يضيع إيمانهم فيعطيهم ما شاء مما يناسب شأنهم هذا ، وتوقعه لعدم الدليل القطعي لا ينافي ترجيح أحد الطرفين بالدليل الظني ، ونقل القونوي أنه سأل الرستغني عن الملائكة هل لهم ثواب وعقاب؟ فقال : نعم لهم ثواب وعقاب إلا أن عقابهم كعقاب الآدميين وثوابهم ليس كثواب الآدمين ، لأن ثوابهم التلذّذ بالشمّ ، ثم إن الله تعالى جعل الدنيا وشهواتنا في الدنيا من المأكول والمشروب ونحوهما ، فكذلك يجعل ثوابنا في الدار الآخرة ، وأما الملائكة فإن الله تعالى جعل لذّتهم وشهوتهم في الدنيا في طاعتهم لله تعالى وبذلك طابت أنفسهم ، وبها شبعهم وريّهم ، فكذلك في الآخرة استدلالا بالشاهد فغير مقبول لأن عقاب الملائكة مخالف لإجماع أهل الملّة ، وأما كون ثوابهم بقاؤهم على لذة طاعتهم فظاهر ، وأما قصر ثوابنا على اللذّة الظاهرية فممنوع لأن في الجنة يحصل لأهلها التلذّذ بالذكر والشكر وأنواع المعرفة وأصناف الزلفة والقربة التي نهايتها الرؤية مما ينسى بجنبها التلذّذ بالشهوات الحسّيّة واللذات النفسية.
__________________
(١) الصواب ما صرّح به الإمام أبو حنيفة رحمهالله : إذ ليس لأحد على الله حق والله أعلم. وبذلك صرّح ابن مودود في الاختيار ٢ / ١٦٤ فانظره لزاما.
(٢) هود : ١١٩ ، والسجدة : ١٣.
(٣) الرحمن : ٤٦ ـ ٤٧.
(٤) تصحيف في الآية والصواب [ويجركم] ، الأحقاف : ٣١.