____________________________________
(وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (١) وفسّر المعتزلة الهداية ببيان طريق الصواب وهو باطل بقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٢). الآية ، مع أنه عليه الصلاة والسلام بيّن طريق الإسلام ، ودعا إلى الهداية جميع الأنام قيل ، والمشهور عند المعتزلة أن الهداية هي الدلالة الموصلة إلى المطلوب ، فينبغي بقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٣).
ومنها : أن ما هو أصلح للعبد فليس بواجب على الله سبحانه ، وإلّا لما خلق الكافر الفقير المعذّب في الدنيا والأخرى ، فإن العدم أصلح له من الوجود في عالم الشهود ، ولمّا كان له سبحانه منّة على العباد ، وقد قال الله تعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٤). ولمّا كان امتنانه على نحو موسى عليهالسلام فوق امتنانه على نحو فرعون ، إذ فعل لكلّ منهما غاية مقدورة من الأصلح له ، ولمّا كان لسؤال العصمة والتوفيق وكشف الضرّاء والبأساء والبسط في الخصب والرخاء معنى لأن ما يفعله في حق كل أحد فهو مفسدة له يجب على الله تركها ، ولعمري أن مفاسد هذا الأصل وهو وجوب الأصلح ، بل أكثر أصول المعتزلة أظهر من أن تخفى ، وأكثر من أن تحصى ، وذلك لقصور نظرهم في المعارف الإلهية والعلوم المتعلقة بذاته وصفاته الثبوتية والسلبية ورسوخ قياس الغائب على الشاهد في طباعهم الدّنيّة القاصرة عن إدراك الحقائق الغيبية ، ثم ليت شعري ما معنى وجوب الشيء على الله سبحانه ، إذ ليس معناه استحقاق تاركه الذم والعقاب وهو ظاهر لأن الألوهية تنافي الوجوب في مقام الربوبية ، فإن الوجوب حكم من الأحكام ، والحكم لا يثبت إلا بالشرع ولا شارع على الشارع فتمّ المرام في أحسن النظام.
ومنها : أن خلف الوعيد كرم فيجوز من الله تعالى والمحقّقون على خلافه كيف وهو تبديل القول ، وقد قال الله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (٥). أي بوقوع الخلف فيه يعني لا تبديل ولا خلف لقولي فلا [تطمعوا] (٦) أن أبدل وعيدي ، وقد أفردت في المسألة رسالة مستقلة سمّيتها (بالقول السديد في منع خلف الوعيد).
__________________
(١) طه : ٨٥.
(٢) القصص : ٥٦.
(٣) فصّلت : ١٦.
(٤) الحجرات : ١٧.
(٥) ق : ٢٩.
(٦) تصحّفت في الأصل إلى تطعموا وهو خطأ والصواب [تطمعوا] كما أثبتنا.