والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد ....
____________________________________
وليس في إيمان المؤمن شك كما أنه ليس في كفر الكافر شك لقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (١). أي في موضع (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) (٢). أي في محل آخر والعاصون من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كلهم مؤمنون حقّا وليسوا بكافرين أيّ حقّا. انتهى ، فأشار الإمام الأعظم رحمهالله بهذا الكلام إلى أن العصيان لا ينافي الإيمان كما هو مذهب أهل السّنّة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة فإنهما عندهم لا يجتمعان ، ونحن نحمل هذا الحال على مقام الكمال فإن نفي المعصية بالكلية من المؤمن كالمحال ، وأما نحو قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (٣). فمعناه إيقانا أو مؤوّل بأن المراد زيادة الإيمان بزيادة المؤمن به أي القرآن ، وأما قوله صلىاللهعليهوسلم لمّا سئل أن الإيمان يزيد وينقص : «نعم ، يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخل صاحبه النار» (٤). فمعناه أنه يزيد باعتبار أعماله الحسنة حتى يدخل صاحبه الجنة دخولا أوّليّا وينقص بارتكاب أعماله السيئة حتى يدخل صاحبه النار أولا ، ثم يدخل الجنة بإيمانه آخرا كما هو مقتضى مذهب أهل السّنّة والجماعة على أن التصديق من الكيفيات النفسية للإنسان وهي تقبل الزيادة والنقصان باعتبار القوة والضعف في مراتب الإيقان ، ثم الطاعة والعبادة ثمرة الإيمان ونتيجة الإيقان ، وتنوّر القلب بنور العرفان بخلاف المعصية فإنها تسود القلب وتضعف محبة الرب ، وربما يجرّه مداومة العصيان إلى ظلمات الكفران ، فإن الصغيرة تجرّ إلى الكبيرة والكبيرة إلى الكفر ، فنسأل الله العافية وحسن الخاتمة (والمؤمنون مستوون) أي متساوون (في الإيمان) أي في أصله (والتوحيد) أي في نفسه ، وإنما قيّدنا بهما فإن الكفر مع الإيمان كالعمى مع البصر ، ولا شك أن البصراء يختلفون في قوة البصر وضعفه ، فمنهم الأخفش (٥) : والأعشى (٦) ومن يرى الخط الثخين دون الرقيق إلا بزجاجة ونحوها ومن يرى عن قرب زائد على العادة وآخر بضدّه.
__________________
(١) الأنفال : ٤٠.
(٢) النساء : ١٥١.
(٣) الأنفال : ٢.
(٤) لم أجده وهو موضوع بلا شك ولو صحّ مثل هذا لما اختلف العلماء في هذا الشأن على أن الراجح ما ذهب إليه البخاري وأهل الحديث وهو قول السلف من أن الإيمان يزيد وينقص خلافا لمن قال بأنه لا يزيد ولا ينقص.
(٥) جاء في القاموس : الخفش ، محرّكة : صغر العين وضعف البصر خلقة ، أو فساد في الجفون بلا وجع ، أو أن يبصر بالليل دون النهار ، وفي يوم غيم دون صحو.
(٦) وقال في القاموس أيضا : العمش ، محرّكة : ضعف البصر مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات.