____________________________________
وقال القونوي : فإن قيل : إنما يجوز الاستثناء للخاتمة ، قلنا : هذا واجب عندنا لكن لا كلام فيه إنما الكلام في الإيمان ، وإن كفر بعد ذلك أي بعد الإيمان لا يتبيّن أنه لم يكن مؤمنا قبل الكفر كإبليس ، فالسعيد قد يشقى والشقي قد يسعد ، وعند الأشعري العبرة للختم ، ولا عبرة لإيمان من وجد منه التصديق في الحال ، ولا كفر من وجد منه التكذيب للحال فإن كان في علم الله سبحانه ، إن هذا الشخص المعيّن يختم له بالإيمان فهو للحال مؤمن ، وإن كان كافرا بالله ورسوله ، وإن كان في علمه أنه يختم له بالكفر يكون للحال كافرا ، وإن كان مصدّقا لله ورسوله وقالوا : إن إبليس حين كان معلّما للملائكة كان كافرا ، واستدلوا بقوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ). أي وكان في سابق علم الله منهم وأجيب عن الآية بأن معناه وصار من الكافرين.
قال شارح العقائد : والحق أنه لا خلاف في المعنى يعني بل الخلاف في المبنى ، فإنه إن أريد بالإيمان والسعادة مجرد حصول المعنى أي الإذعان وقبول العبادة ، فهو حاصل في الحال ، وإن أريد ما يترتب عليه النجاة والثمرات في المآل فهو في مشيئة الله تعالى لا قطع بحصوله في الحال ، فمن قطع بالحصول أراد الأول ، ومن فوّض إلى المشيئة أراد الثاني انتهى. وهو غاية التحقيق ونهاية التدقيق والله تعالى وليّ التوفيق.
ومنها : أن تكليف ما لا يطاق غير جائز خلافا للأشعري لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١). أي طاقتها واختلف أصحابه في وقوعه ، والأصح عدم الوقوع ، ثم تكليف ما لا يطاق هو التكليف بما هو خارج عن مقدور البشر كتكليف الأعمى بالأبصار ، والزمن بالمشي بحيث لو أتي به يثاب ، ولو تركه يعاقب ، وأما التكليف بما هو ممتنع لغيره كإيمان من علم الله أنه لا يؤمن مثل فرعون وأبي جهل ، وأبي لهب ، وسائر الكفّار الذين ماتوا على الكفر فقد اتفق الكل على جوازه ووقوعه شرعا ، وأما قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) (٢). فاستعاذة عن تحميل ما لا يطاق لا عن تكليفه إذ عندنا يجوز أن يحمله جبلا لا يطيقه بأن يلقى عليه فيموت ، ولا يجوز أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب ، ولو امتنع يعاقب فلا جرم صحّت الاستعاذة منه بقوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا) الآية. وإنما ذكر التحميل في هذه الآية ، والحمل في الآية الأولى لأن الشاقّ يمكن حمله بخلاف ما لا يكون مقدورا.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) البقرة : ٢٥٦.