____________________________________
فغاية في المكابرة ونهاية في العناد.
ومنها : أن الحرام رزق لأن الرزق اسم لما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان فيتناوله وينتفع به وذلك قد يكون حلالا ، وقد يكون حراما ، وهذا أولى من تفسيره بما يتغذى به الحيوان لخلوّه عن معنى الإضافة إلى الله تعالى مع أنه معتبر في مفهوم الرزق ، وذهب المعتزلة إلى أن الحرام ليس برزق لأنهم فسّروه تارة بمملوك يأكله الملك وأخرى بما لم يمنعه الشّارع من الانتفاع به ، وذل لا يكون إلّا حلالا ويردّ عليهم أنه يلزم على الأول أن لا يكون ما يأكله الدواب ، بل العبيد والإماء رزقا وعلى الوجهين الأخيرين من أكل الحرام طول عمره لم يرزقه الله تعالى أصلا ، ويردّ الوجوه الثلاثة قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (١). إذ هو يقتضي أن يستوفي كل رزق نفسه حلالا كان أو حراما ولا يتصوّر أن لا يأكل إنسان رزقه ، أو يأكل غيره رزقه لأن ما قدّره الله تعالى غذاء لشخص يجب أن يأكله ويمتنع أن يأكله غيره ، وأما الرزق بمعنى الملك فلا يمتنع أن يأكله غيره ، ومنه قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٢) والشيخ أبو الحسن الرستغني وأبو إسحاق الأسفرائيني ما حقّقنا الخلاف في هذه المسألة ، وقالا : الخلاف لفظي لا حقيقي قيل : وهو الصواب.
ومنها : أن الله تعالى يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، بمعنى أنه يخلق الضلالة والهداية لأنه الخالق وحده في الحقيقة لكن قد تضاف الهداية إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مجازا بطريق التسبيب كما في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣). كما تستند إلى القرآن كما في قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (٤). وقد يسند الإضلال إلى الشيطان مجازا ، ومنه قوله تعالى : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (٥). كما يسند الإضلال إلى الأصنام في قوله تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (٦). وإلى غيرها كقوله تعالى :
__________________
ـ الحرمين توفي سنة ٤٧٨ ه.
(١) الإسراء : ٩.
(٢) البقرة : ٣.
(٣) الشورى : ٥٢.
(٤) الإسراء : ٩.
(٥) الحجر : ٣٩ ، وص : ٨٢.
(٦) إبراهيم : ٣٦.