____________________________________
فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١). انتهى.
ولا يخفى أن ما نحن فيه ليس داخلا في عموم مفهوم الآية لأنها في الأمر المستقبل وجودا لا بقاء والكلام في الاستثناء الموجود حالا على احتمال أنه ربما يعرض له حال يوجب له زوالا ، ولهذا مثّل مشايخنا هذا الاستثناء بقوله : أنا شاب إن شاء الله تعالى حيث يحتمل أنه يصير شيخا ، وهو ليس تحته طائل وإدخاله تحت قوله سبحانه : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ) لا يقول به قائل هذا ، وقال بعضهم : الإيمان الذي يتعقبه الكفر فيموت صاحبه كافرا ليس بإيمان كالصلاة التي أفسدها صاحبها قبل الكمال ، والصوم الذي يفطر صاحبه قبل الغروب ، وهذا مأخذ كثير من الكلامية من أهل السّنّة والجماعة وغيرهم ، وعند هؤلاء إن الله يحب في الأزل من كان كافرا إذا علم منه أنه يموت مؤمنا فالصحابة رضي الله عنهم ما زالوا محبوبين قبل إسلامهم وإبليس ، ومن ارتدّ عن دينه ما زال الله تعالى يبغضه ، وإن كان لم يكفر بعد كذا ، ذكره شارح عقيدة الطحاوي ، وفيه أن الإيمان إذا تحقّق بشروطه كيف يكون كالصلاة التي أفسدها صاحبها قبل إكمالها ، والصوم الذي يفطر صاحبه قبل الغروب ، ولما بنوا على هذا الأساس الواهي صار طائفة غلوا فيه حتى صار الرجل منهم يستثني في الأعمال الصالحة يقول صلّيت إن شاء الله تعالى ، ونحو ذلك يعني لقبول الله ، ثم صار كثير منهم يستثنون في كل شيء فيقول أحدهم : هذا ثوب إن شاء الله تعالى ، هذا حبل إن شاء الله تعالى ، فإذا قيل لهم : هذا لا شك فيه يقولون : نعم لكن إذا شاء أن يغيّره غيره ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك ، وأما ما أجاب الزمخشري عن قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ) (٢) من أنه قد يكون الملك قد قاله فأثبت قرآنا أو أن الرسول قاله فكلاهما باطل لأنه جعل من القرآن ما هو غير كلام الله فيدخل في وعيد من قال : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٣). والحاصل أن المستثنى إذا أراد الشك في أصل إيمانه منع من الاستثناء ، وهذا لا خلاف فيه ، وأما إن أراد أنه مؤمن كامل ، أو ممّن يموت على الإيمان فالاستثناء حينئذ جائز إلا أن الأولى تركه باللسان وملاحظته بالجنان.
ومنها : ما يتفرّع على هذه المسألة (وهو ما نقل عن بعض الأشاعرة) أنه يصح أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بناء على أن العبرة في الإيمان والكفر والسعادة
__________________
(١) الكهف : ٢٣.
(٢) الفتح : ٢٧.
(٣) المدّثر : ٢٥.