____________________________________
قول بعض أصحابنا أن السحر كفر مؤوّل ، فقد قال الشيخ أبو منصور الماتريدي القول بأن السحر كفر على الإطلاق خطأ ، بل يجب البحث عنه ، فإن كان ردّ ما لزمه في شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا ، فلو فعل ما فيه هلاك إنسان ، أو مرضه ، أو تفريق بينه وبين امرأته وهو غير منكر لشيء من شرائط الإيمان لا يكفر ، لكنه يكون فاسقا ساعيا في الأرض بالفساد فيقتل الساحر والساحرة لأن علّة القتل السعي في الأرض بالفساد ، وهذه العلة تشمل الذكر والأنثى ، وأما إذا كان سحرا هو كفر فيقتل الساحر لا الساحرة لأن علّة القتل الردّة والمرتدّة لا تقتل كذا ذكره صاحب الإرشاد في الإشراق ونقله القونوي.
ومنها : المعدوم ليس بشيء ثابت في الخارج ، كما يشير إليه قوله سبحانه : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١). على أن المراد بالحين قبل خلق الماء والطين خلافا للمعتزلة القائلين بأن المعدوم الممكن الوجود ثابت في الخارج ، والتحقيق أنه إن أريد بالشيء الثابت المحقّق على ما ذهب إليه المحقّقون من أن الشيئية ترادف الوجود والثبوت والعدم يرادف النفي ، فهذا حكم ضروري لا ينازع فيه إلا من تقدّم من المعتزلة ، وإن أريد أن المعدوم لا يسمى شيئا فهو بحث لغوي مبني على تفسير الشيء أنه الموجود ، كما ذهب إليه الأشاعرة أو المعلوم كما ذهب إليه معتزلة البصرة ، أو ما صحّ أن يعلم ويخبر عنه على ما وقع في كلام الزمخشري ، ونقل مثله عن سيبويه ، وبعضهم جعله اسما للجسم ، وبعضهم للقديم ، وبعضهم للحادث فالمرجع إلى نقل الأقوال وتتبّع موارد الاستعمال.
ومنها : أن اليأس من رحمة الله تعالى كفر لقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢). وكذا الآمن من عقوبته كفر لقوله تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٣). والأنبياء مأمونون لا آمنون بل خائفون منه أكثر من غيرهم لأنهم أعرف بما له من صفات الجلال وكونهم مأمونين إنما هو من قبله سبحانه تفضلا في شأنهم وعلوّ مكانهم.
ومنها : أن تصديق الكاهن بما يخبره من الغيب كفر لقوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ
__________________
(١) الدهر : ١.
(٢) يوسف : ٧٨.
(٣) الأعراف : ٩٩.