يجب أن يقول آمنت بالله
____________________________________
كما يشير إليه قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١). وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (٢). فمن قال بقدم العالم فهو كافر ، ثم لما ثبت انتهاء الموجودات إلى واجب الوجود لذاته والعدم على الواجب ممتنع لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه لزم كونه أزليّا أبديّا ، فهو قديم لا أول لوجوده ، وباق لا آخر لشهوده فيرجع معنى القدم والبقاء في حقه سبحانه وتعالى إلى الصفات السلبية ، وإن عدّهما بعضهم في النعوت الثبوتية لأن معنى البقاء في حقه سبحانه وتعالى نفي عدم لاحق في الأبد ، كما أن القدم عبارة عن نفي عدم سابق في الأزل فيرجع معناهما إلى نفي العدم ، ولذا قال التوربشتي في معتقده : إن الموجود والقديم من أسماء الذات.
قال الإمام الأعظم : (يجب) أن يفرض فرضا عينيّا بعد ما يحصل علما يقينيّا (أن يقول) أي المكلّف بلسانه المطابق لما في جنانه (آمنت بالله) وفيه إشعار بأن الإقرار له اعتبار على خلاف في أنه شطر للإيمان إلا أنه يسقط في بعض الأحيان أو شرط لإجراء أحكام الإيمان كما هو مقرر عند الأعيان ، وهو المروي عن الإمام وإليه ذهب الماتريدي (٣) وهو الأصح عند الأشعري (٤) ، ويؤيده قوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٥) وقال البزدوي : من صدق بقلبه وترك البيان من غير عذر لم يكن مؤمنا. وهذا مذهب المحقّقين من الفقهاء وفي كلامه إشارة إلى عدم اشتراط لفظ : أشهد حيث لم يقل يجب أن يشهد بأني آمنت بالله خلافا لمن شرطه من الشافعية مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله (٦) مع أنه جاء في
__________________
(١) الزمر : ٦٢.
(٢) الأعراف : ٥٤.
(٣) هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي نسبة إلى قرية من قرى سمرقند ، إمام المتكلمين صاحب التصانيف في الفقه والأصول ، والعقائد والتفسير ، المتوفى سنة ٣٣٣ ه. الفوائد البهية ص ١٩٥.
(٤) هو الإمام علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري اليماني البصري العلّامة ، إمام المتكلمين المتوفى سنة ٣٢٤ ه ، والمترجم في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٨٨.
(٥) الأعراف : ٥٤.
(٦) أخرجه البخاري ٢٥ ومسلم ٢٢ والدارقطني ١ / ٢٣٢ وابن حبان ١٧٥ والبيهقي في السنن ٣ / ٩٢ و ٣٦٧ والبغوي في شرح السّنّة ٣٣ وابن مندة في الإيمان ٢٥ كلهم من حديث عبد الله بن عمر.
وفي الباب عن أنس بن مالك بهذا اللفظ عند البخاري ٣٩٢ وأبو داود ٢٦٤١ والترمذي ٢٦٠٨ والنسائي ٧ / ٧٥ ـ ٧٦ والبيهقي ٢ / ٣ وابن حبان ٥٨٩٥.