____________________________________
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا (١) |
وقال عمر رضي الله عنه : إني زوّرت في نفسي مقالة. والدليل على ثبوت الكلام إجماع الأمة من الأئمة الأعلام وتواتر النقل عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأن أوحي إليهم بيان الأحكام إلا أن كلامه ليس من جنس الحروف والأصوات والله تعالى متكلّم آمر ناه ومخبر بمعنى أن كلامه صفة واحدة وتكثيره إلى الأمر والنهي والخبر باختلاف التعلقات بالعلم والقدرة وسائر الصفات ، فإنها واحدة والتكثّر والحدوث إنما هو في الإضافات ويكفي وجود المأمور في علم الآمر.
والحاصل أن هذا الكلام اللفظي الحادث المؤلف من الأصوات والحروف القائمة بمحالها يسمى كلام الله والقرآن على معنى أنه عبارة عن ذلك المعنى القديم كما وقع التصريح به في التلويح (٢).
وقال القونوي في شرح العمدة أهل السّنّة لا يرون تعلّق وجود الأشياء بقوله تعالى كن بل وجودها متعلق بإيجاده وتكوينه وهو صفته الأزلية وهذا الكلام عبارة عن سرعة حصول المقصود بإيجاده وكمال قدرته على ذلك وعند الأشعري ومن تابعه وجود الأشياء متعلق بكلامه الأزلي ، وهذه الكلمة دالّة عليه ، كذا في شرح التأويلات ، وفي تفسير التيسير قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) إنه تعالى لم يرد أنه خاطبه بكلمة كن فيكون بهذا الخطاب لأنه لو جعل خطابا حقيقة فإمّا أن يكون خطابا
__________________
(١) البيت ينسب للأخطل ، وليس في ديوانه ، وهو يذكر في كتب المتكلمين مع بيت قبله هو :
لا يعجبنّك من خطيب خطبة |
|
حتى يكون مع الكلام أصيلا |
قال العلّامة ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية ١ / ١٩٩ : «عقب هذا البيت ما يلي : «فاستدلال فاسد. ولو استدلّ مستدل بحديث في «الصحيحين» لقالوا هذا خبر واحد! ويكون مما اتّفق العلماء على تصديقه ، وتلقّيه بالقبول والعمل به ، فكيف وهذا البيت قد قيل : إنه مصنوع منسوب إلى الأخطل ، وليس هو في ديوانه؟! وقيل : إنما قال : «إن البيان لفي الفؤاد» وهذا أقرب إلى الصحّة ، وعلى تقدير صحته عنه ، فلا يجوز الاستدلال به ، فإن النصارى قد ضلّوا في معنى الكلام ، وزعموا أن عيسى عليهالسلام نفس كلمة الله ، واتّحد اللاهوت بالناسوت! أي : شيء من الإله بشيء من الناس! أفيستدلّ بقول نصرانيّ قد ضلّ في معنى الكلام على معنى الكلام ، ويترك ما يعلم في معنى الكلام في لغة العرب!» ا. ه.
(٢) هو التلويح على التوضيح على التنقيح ، للعلّامة مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة ٧٩٢ ه.
(٣) البقرة : ١١٧ ، وآل عمران : ٤٧.