جواره في الجنة والوقوف بين يديه بلا كيف ....
____________________________________
جواره) بكسر الجيم أي مجاورة العبد لله (في الجنة) أي في مقام القربة (والوقوف) أي في القيامة (بين يديه بلا كيف) أي من غير وصف وبيان كشف كما في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (١). وقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) (٢) الآية.
وقد أبعد شارح هنا حيث قال : القرب والبعد يقع على المناجي لا على الله ، ألا ترى أن القرب والبعد كان على معنى الكرامة والهوان وأن الله تعالى أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، انتهى. ولا يخفى ما في كلامه من التناقض حيث يفهم من عمله أن القرب والبعد يقع على حقيقته بطريق المسافة على المناجي دون الله سبحانه ، ثم حملهما على معنى الكرامة والهوان الذي هو نص في المعنى المجازي ، ثم قوله : إن الله تعالى أقرب إلى العبد من حبل الوريد حيث أثبت له القرب من العبد ، مع أن نسبة القرب والبعد متساوية في الربّ والعبد فالتحقيق في مقام التوفيق أن مختار الإمام أن قرب الحق من الخلق ، وقرب الخلق من الحق وصف بلا كيف ونعت بلا كشف ، والجمهور يؤوّلونهما ويحملونهما على قرب رحمته بطاعته وبعد نعمته بمعصيته ، هذا وبلسان أرباب العبارات وأصحاب الإشارات معنى القرب إلى الربّ أن ترى نعمته وتشاهد منّته في جميع حالاتك وتغيب فيها عن رؤية أفعالك ومجاهداتك.
وقد قال بعض العلماء في قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣). إنه سبحانه وتعالى لفرط قربه منك لا تراه ، ولغاية بعدك عنه لا ترى شيئا سواه ، وهذا تمام لمن يطلب معرفة مولاه ولا يصحّ الطلب إلا لمن خالف هواه.
__________________
قال النووي في شرح مسلم ٤ / ٢٠٠ : معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه ، وفضله وفيه الحثّ على الدعاء في السجود ، وفيه دليل لمن يقول : إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة ، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب : أحدها أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه الترمذي ، والبغوي عن جماعة ، وممّن قال بتفضيل تطويل السجود ابن عمر رضي الله عنهما ، والمذهب الثاني مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماعة أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر في صحيح مسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أفضل الصلاة طول القنوت». والمراد بالقنوت القيام ، ولأن ذكر القيام القراءة ، وذكر السجود التسبيح ، والقراءة أفضل ، لأن المنقول عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود ، والمذهب الثالث أنهما سواء ، وتوقف أحمد بن حنبل رضي الله عنه في المسألة ولم يقض فيها بشيء.
(١) الرحمن : ٤٦.
(٢) النازعات : ٤٠.
(٣) ق : ١٦.