من طريق طول المسافة وقصرها ، ولكن على معنى الكرامة والهوان والمطيع قريب منه بلا كيف ، والعاصي بعيد عنه بلا كيف ، والقرب والبعد والإقبال يقع على المناجي. وكذلك
____________________________________
كما في الحديث «أن السخي قريب من الله والبخيل بعيد من الله» (١) (من طريق طول المسافة) أي الحسّيّة المعبر عنها بالمساحة (وقصرها) بل المراد بهما القرب والبعد المعنوي ، كما يستفاد من منطوق قوله سبحانه : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٢). المفهوم منه أنه بعيد من المسيئين (ولا على معنى الكرامة والهوان) أي وليسا محمولين على معنى الكرامة والإحسان والذلّة والهوان ، فإن هذا التأويل في مقام أهل العرفان.
والإمام الأعظم رحمهالله تعالى جعلهما من باب المتشابه في مقام الإيقان ولذا قال : (ولكن المطيع قريب منه بلا كيف) أي من غير التشبيه (والعاصي بعيد عنه بلا كيف) أي بوصف التنزيه (والقرب والبعد والإقبال) أي وضدّه وهو الإعراض (يقع على المناجي) أي يطلق أيضا على العبد المتضرّع إلى الله المتذلّل لديه طالبا لرضاه كما في قوله تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (٣). أي اسجد لله وتقرّب إلى رضاه ، وقيل دم على السجود والتقرّب إلى الله حيث شئت ، وفي الحديث : «أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد» (٤). لكنه بلا كيف كما يدل عليه تقييد ما قبله وما بعده به حيث قال : (وكذلك
__________________
(١) أخرجه الترمذي ١٩٦٢ من حديث سعيد بن محمد الوراق عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وسعيد بن محمد الوراق ضعيف كما قال الحافظ في التقريب. وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة إلا من حديث سعيد بن محمد وقد خولف سعيد بن محمد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد ، إنما يروى عن يحيى بن سعيد عن عائشة شيء مرسل. ا. ه.
يعني خالفه غيره في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد فرواه سعيد عن يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة متصلا وجعله من مسند أبي هريرة ، ورواه غير سعيد بن محمد عن يحيى عن عائشة مرسلا وجعله من مسند عائشة.
أقول : ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن جابر ، والطبراني في الأوسط كما في المجمع ٣ / ١٢٧ عن عائشة وفيه سعيد بن محمد الورّاق وهو ضعيف.
وقال المناوي في التيسير : بأسانيد ضعيفة يقوّي بعضها بعضا». وقال الشيخ عبد القادر الأرناءوط في تخريج جامع الأصول ٥ / ٤ : أقول ومعنى الحديث صحيح. ا. ه.
(٢) الأعراف : ٤٦.
(٣) العلق : ١٩.
(٤) أخرجه مسلم ٤٨٢ ، وأبو داود ٨٧٥ ، والنسائي ٢ / ٢٢٦ ، وأحمد ٢ / ٤٢١ ، والبيهقي ٢ / ١١٠ ، وابن حبان ١٩٢٨ ، والبغوي في السّنّة ٦٥٨ ، وأبو عوانة ٢ / ١٨٠ كلهم من حديث أبي هريرة.