____________________________________
هربت إليه ، فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه كما يشير إليه قوله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (١) وقوله عليه الصلاة والسلام : «لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك» (٢). وقال بعضهم : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق (٣) ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري (٤) ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ (٥) ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحّد ، وأما كلام صاحب المنازل (٦) أن الرجاء أضعف منازل المريد (٧) فهو بالإضافة إلى مقام الحب الذي هو حال المريد ، بل قال المحقّق الرازي : إن لم يعبد الله إلا لخوف ناره ، أو طمع في جنته فليس بمؤمن لأنه سبحانه يستحق أن يعبد ويطاع لذاته (٨) ، وهذا معنى ما ورد : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم
__________________
ـ كلهم من حديث جابر بن عبد الله.
(١) الذاريات : ٥.
(٢) هو بعض حديث أخرجه البخاري ٦٣١١ ، ومسلم ٢٧١٠ ح ٥٦ ، وأبو داود ٥٠٤٦ ، وأحمد ٤ / ٢٩٢ و ٢٩٣ و ٢٩٦ ، والنسائي في اليوم والليلة ٧٨٠ و ٧٨٢ ، والبغوي ١٣١٥ ، وابن حبان ٥٥٣٦ كلهم من حديث البراء بن عازب.
(٣) قال في القاموس : الزنديق بالكسر : من الثنوية ، أو القائل بالنور والظلمة ، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية ، أو من يبطن الكفر ، ويظهر الإيمان ، أو هو معرب زن دين أي : دين المرآة. ا. ه.
(٤) نسبة إلى حروراء على ميلين من الكوفة ، يقال لمن يعتقد مذهب الخوارج ، لأن أول فرقة منهم خرجوا على عليّ رضي الله عنه بالبلدة المذكورة ، ومقصود الشارح فيما نقله عن بعضهم ، أن من غلب جانب الخوف وحده فقد سلك مسلك الخوارج الذين يكفّرون أصحاب المعاصي ويخلدونهم في النار إذا ماتوا من غير توبة ـ.
(٥) في اشتقاء اسم المرجئة قولان : أحدهما : أنه من الإرجاء ، والثاني : أنه من الرجاء ، وكان المشهور مرجئة بالهمز ، وهو من الإرجاء والمعنى قريب لاجتماع الكلمتين في الاشتقاق الأكبر.
(٦) هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحافظ تقي الدين أبو العباس الحرّاني ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه المحدّث المتوفى سنة ٧٢٨ ه. أشهر مصنفاته الفتاوى الكبرى ومنازل السائرين واقتضاء الصراط المستقيم وغيرها كثير.
(٧) قال القاضي ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ٢ / ٤٥٧ : «في كلامه نظر ـ أي ابن تيمية ـ بل الرجاء والخوف على الوجه المذكور من أشرف منازل المريد». ا. ه. وقال ابن القيّم في مدارج السالكين ٢ / ٣٧ ـ ٤١ : بعد أن أورد الكلام المذكور : شيخ الإسلام ـ يريد صاحب منازل السائرين ـ حبيب إلينا ، والحق أحبّ إلينا منه ، وكل من عدا المعصوم صلىاللهعليهوسلم فمأخوذ من قوله ومتروك ، ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله. ا. ه. ثم بيّن ما فيه من الاعتراض.
(٨) قول الرازي هنا يناقض ما أمر الله سبحانه به في عشرات الآيات ، وكثير من أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي تدعو إلى الطمع في الجنة ، والخوف من النار.