أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان أهم ما يأمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويعلم طريقه ويثني (١) على أربابه. ثم ذكر بقية استدلالهم ، ثم ذكر استدلال الفريق الآخر إلى أن قال : فإن قلت فما المختار عندك؟ فأجاب بالتفصيل فقال : فيه منفعة ، وفيه مضرّة ، فهو باعتبار منفعته في وقت الانتفاع حلال أو مندوب أو واجب ، كما يقتضيه الحال ، وهو باعتبار مضرّته في وقت الاستضرار ومحله حرام قال : فأما مضرّته فإثارة الشبهات وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم وذلك مما يحصل بالابتداء (٢) ، ورجوعه (٣) بالدليل المشكوك (٤) فيه وتختلف (٥) فيه الأشخاص ، فهذا ضرورة في اعتقاد المحق (٦) ، وله ضرر (٧) في تأكيد اعتقاد المبتدعة (٨) وتثبيتها (٩) في صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه. ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب (١٠) الذي يثور عن الجدل.
وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق لديه (١١) ومعرفتها على ما هي عليه ، وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ، ولعل التخبيط والتضليل [فيه] (١٢) أكثر ، من الكشف والتعريف قال : وهذا إذا سمعته من محدّث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا فاسمع هذا ممّن خبر الكلام ، ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين ، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى (١٣) سوى نوع الكلام ، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه
__________________
ـ والمتنطعون : قال الخطابي في معالم السّنن ٤ / ٣٠٠ : المتنطّع : المتعمّق في الشيء المتكلّف في البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم ، وقال ابن الأثير : هم المتعمّقون المغالون في الكلام ، المتكلّمون بأقصى حلوقهم ، مأخوذ من النّطع ، وهو الغار الأعلى من الفم ، ثم استعمل في كل تعمّق قولا وفعلا.
(١) في الإحياء : ويثني عليه وعلى أربابه.
(٢) في الإحياء ١ / ٩٧ : فذلك مما يحصل في الابتداء.
(٣) في الإحياء ١ / ٩٧ : ورجوعها بالدليل.
(٤) في الإحياء : مشكوك فيه.
(٥) في الإحياء : ويختلف فيه الأشخاص.
(٦) في الإحياء : فهذا ضرره في الاعتقاد الحق.
(٧) في الإحياء : وله ضرر آخر.
(٨) في الإحياء : المبدعة للبدعة.
(٩) في الإحياء : وتثبيته.
(١٠) في الإحياء : التعب.
(١١) كلمة لديه زيادة عن الإحياء.
(١٢) أسقط المؤلّف رحمهالله كلمة فيه وأثبتناها في الإحياء.
(١٣) في الإحياء : علوم أخر تناسب نوع الكلام.