مسدود ، ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ، ولكن على النذور (١). انتهى.
فإنما صدر هذا كله عنهم لأمور منها ما فهم مما سبق في أثناء الكلام من أن سبب ذمهم عدولهم عن الأخذ بأصول الإسلام واشتغالهم بما لا يعنيهم في مقام المرام ، ومنها منازعتهم ومجادلتهم ، ولو كان على الحق لانجراره غالبا إلى مخاصمتهم المؤدية إلى الأخلاق الفاسدة والأحوال الكاسدة كما بيّنه حجة الإسلام الغزالي في الأحياء.
فقد ذكر في غياث المفتي (٢) عن أبي يوسف إنه لا تجوز الصلاة خلف المتكلم ، وإن تكلم بحق لأنه مبتدع ، ولا تجوز خلف المبتدع وعرضت هذه الرواية على أستاذي فقال : تأويله انه لا يكون غرضه إظهار الحق ، والذي قاله أستاذي رأيته في تلخيص الإمام الزاهدي (٣) حيث قال : وكان أبو حنيفة يكره الجدل على سبيل الحق ، حتى روي عن أبي يوسف رحمهالله أنه قال : كنا جلوسا عند أبي حنيفة إذ دخل عليه جماعة في أيديهم رجلان فقالوا : إن أحد هذين يقول القرآن مخلوق ، وهذا ينازعه ويقول : هو غير مخلوق. قال : لا تصلّوا خلفهما ، فقلت : أما الأول فنعم فإنه لا يقول بقدم القرآن ، وأما الآخر فما باله لا يصلى خلفه؟ فقال : إنهما يتنازعان في الدين ، والمنازعة في الدين بدعة ، كذا في مفتاح السعادة (٤) ، ولعل وجه ذم الآخر حيث أطلق فإنه محدث إنزاله ، وأنه مكتوب في مصاحفنا ومقروء بألسنتنا ومحفوظ في صدورنا.
وقال الشافعي رحمهالله : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم هو المسمى ، أو غير المسمى فاشهد بأنه من أهل الكلام ، ولا دين له ... وقال أيضا : لو علم الناس ما في
__________________
(١) انظر إحياء علوم الدين ١ / ٩٧.
(٢) لم أجد كتابا بهذا الاسم في فروع الحنفية وإنما وجدت كتاب بعنوان «غنية المفتي لعبد المؤمن في رمضان الكافي وهي حاوية لأكثر الفتاوى. انظر كشف الظنون ٢ / ١٢١٢ ، وربما تصحّفت الكلمة في الكتاب من غنية المفتي إلى غياث المفتي.
(٣) هو مختار بن محمود أبو الرجاء نجم الدين الزاهدي الغزميني ـ نسبة إلى غزمين من قصبات خوارزم ـ الحنفي المتوفّى سنة ٦٥٨ ه. كان من كبار الأئمة ، وأعيان الفقهاء عالما كاملا ، له اليد الباسطة في الخلاق والمذهب ، والباع الطويل في الكلام والمناظرة ، له «الرسالة الناصرية في النبوّة والمعجزات» ، و «القنية» ، و «المجتبى» في الفقه. انظر كشف الظنون ص ١٣٥٧ و ١٨٨٦ ، والفوائد البهية ص ٥٤ و ٢١٢ ـ ٢١٣ ، والجواهر المضنية ٢ / ١٦٦.
(٤) هو مفتاح السعادة في الفروع ، وهو كتاب مشتمل على العبادات وألفاظ الكفر والاستحسان فقط وختمها بالإيمان والتوبة. لكمال الدين في آسايش الشرواني ذكر فيه أنه اختار مسائل الصلاة والصوم والصيد والأضحية والذبائح ومسائل الكفر والكراهية وبعضها يتعلّق بالزكاة والحج والوصية وختم بالإيمان والتوبة. جمعها من الكتب المعتبرة.