وأما اختلاف التضادّ ، فهو القولان المتنافيان ، إما في الأصول ، وإمّا في الفروع ، عند الجمهور الذين يقولون : المصيب واحد. والخطب في هذا أشد ، لأن القولين يتنافيان ، لكن نجد كثيرا من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حقّ ما ، أو معه دليل يقتضي حقّا ما ، فيردّ الحق مع الباطل ، حتى يبقى هذا مبطلا في البعض ، كما كان الأول مبطلا في الأصل ، وهذا يجري كثيرا لأهل السنة.
وأما أهل البدعة ، فالأمر فيهم ظاهر. ومن جعل الله له هداية ونورا رأى من هذا ما تبين له منفعة ما جاء في الكتاب والسنة من النهي عن هذا وأشباهه ، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ، لكن نور على نور.
والاختلاف الأول ، الذي هو اختلاف التنوع ، الذمّ فيه واقع على من بغى على الآخر فيه. وقد دلّ القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك ، إذا لم يحصل بغي ، كما في قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) الحشر : ٥. وقد كانوا اختلفوا في قطع الأشجار ، فقطع قوم ، وترك آخرون. وكما في قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ، وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) الأنبياء : ٧٨ ـ ٧٩ ، فخص سليمان بالفهم وأثنى عليهما بالحكم والعلم. وكما في إقرار النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها ، ولمن أخّرها الى أن وصل الى بني قريظة (٧٩٦). وكما في قوله : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (٧٩٧).
والاختلاف الثاني ، هو ما حمد فيه إحدى الطائفتين ، وذمّت الأخرى ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ، وَلكِنِ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) البقرة : ٢٥٣. وقوله تعالى :
__________________
(٧٩٦) البخاري ومسلّم عن ابن عمر.
(٧٩٧) البخاري ومسلّم وأحمد وغيرهم عن حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص
.