والوسع والتمكن وسلامة الآلات ، و «لا حول ولا قوة إلا بالله» ـ دليل على إثبات القدر. وقد فسرها الشيخ بعدها. ولكن في كلام الشيخ إشكال : فإن التكليف لا يستعمل بمعنى الإقدار ، وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي ، وهو قد قال : لا يكلفهم إلا ما يطيقون ، ولا يطيقون إلا ما كلفهم. وظاهره أنه يرجع الى معنى واحد ، ولا يصح ذلك ، لأنهم يطيقون فوق ما كلفهم به ، لكنه سبحانه يريد بعباده اليسر والتخفيف ، كما قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة : ١٨٥. وقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) النساء : ٢٨. وقال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج : ٧٨. فلو زاد فيما كلفنا به لأطقناه ، ولكنه تفضّل علينا ورحمنا ، وخفّف عنا ، ولم يجعل علينا في الدين من حرج. ويجاب عن هذا الإشكال بما تقدم : أن المراد الطاقة التي من نحو التوفيق ، لا من جهة التمكن وسلامة الآلات ، ففي العبارة قلق ، فتأمله.
وقوله : وكل [شيء] يجري بمشيئة الله وعلمه وقضائه وقدره ـ يريد بقضائه القضاء الكوني لا الشرعي ، فإن القضاء يكون كونيّا وشرعيّا ، وكذلك الإرادة والأمر والإذن والكتاب والحكم والتحريم والكلمات ، ونحو ذلك. أما القضاء الكوني ، ففي قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) حم السجدة : ١٢. والقضاء الديني الشرعي ، في قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الاسراء : ٢٣. وأما الإرادة الكونية والدينية ، فقد تقدم ذكرها عند قول الشيخ : ولا يكون إلا ما يريد. وأما الأمر الكوني ، ففي قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس : ٨٢. وكذا قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها ، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) الاسراء : ١٦ ، في أحد الأقوال ، وهو أقواها. والأمر الشرعي ، في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) النحل : ٩٠ ، الآية. وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) النساء : ٥٨. وأما الإذن الكوني ، ففي قوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) البقرة : ١٠٢. والإذن الشرعي ، في قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) الحشر : ٥. وأما الكتاب الكوني ، ففي قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ،