وأصل الخطأ والغلط : توهمهم أن هذه الاسماء (٤٠) العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتا في هذا المعين وهذا المعين ، وليس كذلك ، فان ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقا كليا ، [بل] لا يوجد الا معينا مختصا ، وهذه الاسماء اذا سمي الله بها كان مسماها معيّنا مختصا به ، فاذا سمي بها العبد كان مسماها مختصا به. فوجود الله وحياته لا يشاركه فيها غيره ، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره ، فكيف بوجود الخالق؟ ألا ترى أنك تقول : هذا هو ذاك ، فالمشار إليه واحد لكن بوجهين مختلفين.
وبهذا ومثله يتبين لك أن المشبهة أخذوا هذا المعنى وزادوا فيه على الحق فضلّوا ، وأن المعطلة أخذوا نفي المماثلة بوجه من الوجوه. وزادوا فيه على الحق حتى ضلوا. وأن كتاب الله دل على الحق المحض الذي تعقله العقول السليمة الصحيحة ، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه.
فالنفاة أحسنوا في تنزيه الخالق سبحانه عن التشبيه بشيء من خلقه ، ولكن أساءوا في نفي المعاني الثابتة لله تعالى في نفس الامر.
والمشبهة أحسنوا في اثبات الصفات ، ولكن أساءوا بزيادة التشبيه.
واعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ الا أن يعرف عنها أو ما يناسب عينها ، ويكون بينها قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى ، وإلا فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط ، حتى في أول تعليم معاني الكلام بتعليم معاني الالفاظ المفردة ، مثل تربية الصبي الذي يعلم البيان واللغة ، ينطق له باللفظ المفرد ويشار له الى معناه ان كان مشهودا بالاحساس الظاهر أو الباطن ، فيقال له : لبن ، خبز ، أم ، أب ، سماء ، أرض ، شمس ، قمر ، ماء ، ويشار له مع العبارة الى كل مسمى من هذه المسميات ، والا لم يفهم معنى اللفظ ومراد الناطق به ، وليس أحد من بني آدم يستغني عن التعليم السمعي ، كيف وآدم أبو البشر وأول ما علمه الله تعالى أصول الادلة السمعية وهي الاسماء كلها ، وكلمه وعلمه بخطاب الوحي ما لم يعلمه بمجرد العقل.
__________________
(٤٠) في الاصل : الاشياء. والصواب ما اثبتنا.