(أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) الاعراف : ١٧٣ ، أي توعدهم (٢٣٠) بجحودهم وشركهم لما قالوا ذلك ، وهو سبحانه إنما يهلكهم بمخالفة رسله وتكذيبهم ، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل. التاسع : أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربّه وخالقه ، واحتجّ عليه بهذا في غير موضع من كتابه ، كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لقمان : ٢٥ ، فهذه هي الحجة التي أشهدهم (٢٣١) على أنفسهم بمضمونها ، وذكّرتهم بها رسله ، بقولهم : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابراهيم : ١٠. العاشر : أنه جعل هذا آية ، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها ، وهذا شأن آيات الرب تعالى ، فقال تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الاعراف : ١٧٤ ، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، فما من مولود إلا يولد على الفطرة ، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة ، هذا أمر مفروغ منه ، لا تبديل ولا تغيير. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا. والله أعلم.
وقد تفطن لهذا ابن عطية وغيره ، ولكن هابوا مخالفة [ظاهر] تلك الأحاديث التي فيها التصريح بأن الله أخرجهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم. وكذلك حكى القولين الشيخ أبو منصور الماتريدي في «شرح التأويلات» ورجح القول الثاني ، وتكلم عليه ومال إليه (٢٣٢).
ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري ، والشرك حادث طارئ ، والأبناء تقلدوه (٢٣٣) عن الآباء ، فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا ونحن جرينا على عادتهم كما يجري الناس على عادة آبائهم في المطاعم والملابس والمساكن ، يقال لهم : أنتم كنتم معترفين (٢٣٤) بالصانع ، مقرين بأن الله ربكم لا شريك له ، وقد
__________________
(٢٣٠) في الاصل : لو عذّبهم.
(٢٣١) في الاصل : اشهد.
(٢٣٢) قال الشيخ عفيفي : انظر المسألة ١٨ من «الروح» لابن القيم.
(٢٣٣) في الاصل : يقلّدون.
(٢٣٤) في الاصل : مقرون.