لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم ، علم أن المراد عجزهم وضعفهم أيضا.
ولهذا يأتي الاثبات للصفات في كتاب الله مفصلا ، والنفي مجملا ، عكس طريقة أهل الكلام المذموم : فانهم يأتون بالنفي المفصل والاثبات المجمل ، يقولون : ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا رائحة ولا طعم ، ولا مجسّة (٤٣) ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ، ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض ، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء ، وليس بذي جهات ، ولا بذي يمين ولا شمال وأمام وخلف وفوق وتحت ، ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا يجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الاماكن ، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم ، ولا يوصف بأنه متناه ، ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ، ولا والد ولا مولود ، ولا تحيط به الاقدار ولا تحجبه الاستار الى آخر ما نقله أبو الحسن الاشعري رحمهالله عن المعتزلة.
وفي هذه الجملة حق وباطل. ويظهر ذلك لمن يعرف الكتاب والسنة. وهذا النفي المجرّد مع كونه لا مدح فيه ، [فيه] اساءة أدب ، فانك لو قلت للسلطان : أنت لست بزبال ولا كساح ولا حجام ولا حائك! لأدبك على هذا الوصف وان كنت صادقا ، وانما تكون مادحا اذا أجملت النفي فقلت : انت لست مثل أحد من رعيتك ، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل. فاذا أجملت في النفي اجملت في الادب.
والتعبير عن الحق بالالفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة. والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الاسماء والصفات ، ولا يتدبرون معانيها ، ويجعلون ما ابتعدوه من المعاني والالفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده. [وأمه أهل الحق والسنة والايمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق
__________________
(٤٣) في الاصل مجنسة ويبدو ان النقط سهو من الناسخ وفي النسخ المطبوعة (بجثة) ويظهر أن الذي صححها كذا غفل عن ورودها في السطر السابق
.