لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) الكهف : ١٠٩.
والمثبت انما هو الكمال (٧٥) الممكن الوجود ، وحينئذ فاذا كان النوع دائما فالممكن والاكمل هو التقدم (٧٦) على كل فرد من الافراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من الوجوه.
وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال ، فان الفعل اذا كان صفة كمال فدوامه دوام كمال.
قالوا : والتسلسل لفظ مجمل ، لم يرد بنفيه ولا اثباته كتاب ولا سنة ، ليجب مراعاة لفظه ، وهو ينقسم الى واجب وممتنع وممكن : فالتسلسل في المؤثرين محال ممتنع لذاته ، وهو أن يكون مؤثرون كل واحد منهم استفاد تأثيره مما قبله لا الى غاية.
والتسلسل الواجب : ما دل عليه العقل والشرع ، من دوام أفعال الرب تعالى في الابد ، وانه كلما انقضى لاهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نفاد له ، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الازل ، وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر ، فهذا واجب في كلامه ، فانه لم يزل متكلما اذا شاء ، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته ، فان كل حي فعّال ، والفرق بين الحي والميت : الفعل ، ولهذا قال غير واحد من السلف : الحي الفعّال ، وقال عثمان بن سعيد : كل حي فعّال ، ولم يكن ربنا تعالى قط في وقت من الاوقات معطّلا عن كماله ، من الكلام والإرادة والفعل.
وأما التسلسل الممكن : فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف ، كما تتسلسل في طرف الابد ، فانه اذا لم يزل حيّا قادرا مريدا متكلما ، وذلك من لوازم ذاته ـ فالفعل ممكن له بموجب هذه الصفات له ، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل ، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه ، فانه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدما لا أول له ، فلكل مخلوق أول ، والخالق سبحانه لا أول له ، فهو وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.
__________________
(٧٥) في المطبوعة : الكلام وهو خطأ.
(٧٦) في المطبوعة : هو القديم وهو خطأ.