القدرة ، لا نفي الأسباب والآلات ، لأنها كانت ثابتة. وسيأتي لذلك زيادة بيان عند قوله : ولا يطيقون إلا ما كلفهم ، إن شاء الله تعالى. وكذا قول صاحب موسى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) الكهف : ٦٧. وقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) الكهف : ٧٥. والمراد منه حقيقة قدرة الصبر ، لا أسباب [الصبر] وآلاته ، فإن تلك كانت ثابتة له ، ألا ترى أنه عاتبه على ذلك؟ ولا يلام من عدم آلات الفعل وأسبابه على عدم الفعل ، وإنما يلام من امتنع من الفعل لتضييع قدرة الفعل ، لاشتغاله بغير ما أمر به ، أو [لعدم] شغله إيّاها بفعل ما أمر به. ومن قال : إن القدرة لا تكون إلا حين الفعل ـ يقولون : ان القدرة لا تصلح للضدين ، فإن القدرة المقارنة للفعل لا تصلح إلا لذلك الفعل ، وهي مستلزمة له ، لا توجد بدونه. وما قالته القدرية ـ بناء على أصلهم الفاسد ، وهو إقدار (٦١٢) الله للمؤمن والكافر والبر والفاجر سواء ، فلا يقولون إن الله خص المؤمن المطيع بإعانة حصّل بها الإيمان ، بل هذا بنفسه رجح الطاعة ، وهذا بنفسه رجح المعصية! كالوالد الذي أعطى كل واحد من بنيه سيفا ، فهذا جاهد به في سبيل الله ، وهذا قطع به الطريق ـ : وهذا القول فاسد باتفاق أهل السنة والجماعة المثبتين للقدر ، فإنهم متفقون على أن لله على عبده المطيع نعمة دينية ، خصه بها دون الكافر ، وأنه أعانه على الطاعة إعانة لم يعن بها الكافر. كما قال تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ، أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات : ٧ ، فالقدرية يقولون : إنّ هذا التحبيب والتزيين عامّ في كل الخلق ، وهو بمعنى البيان وإظهار دلائل الحق. والآية تقتضي أن هذا خاصّ بالمؤمن ، ولهذا قال : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات : ٧. والكفار ليسوا راشدين. وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ، كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الانعام : ١٢٥. وأمثال هذه الآية في القرآن كثير ، يبين أن سبحانه هدى هذا وأضل هذا. قال تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ
__________________
(٦١٢). في الاصل : اقرار.