الحبة من مال اليتيم ، والسرقة لها ، والكذبة الواحدة الخفيفة ، ونحو ذلك ـ : من الكبائر! وهذا فاسد. ومن قال : ما سد باب المعرفة بالله ، أو ذهاب الأموال والأبدان ـ : يقتضي أن شرب الخمر ، وأكل الخنزير والميتة والدم ، وقذف المحصنات ـ ليس من الكبائر! وهذا فاسد. ومن قال : إنها سميت كبائر بالنسبة الى ما دونها ، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ـ : يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم الى صغائر وكبائر! وهذا فاسد ، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب الى صغائر وكبائر. ومن قال : إنها لا تعلم أصلا ، أو إنها مبهمة ـ : فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها ، فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره. والله أعلم.
وقوله : وإن لم يكونوا تائبين ـ لأن التوبة لا خلاف أنها تمحو الذنوب ، وإنما الخلاف في غير التائب. وقوله : بعد أن لقوا الله تعالى عارفين ـ لو قال : مؤمنين ، بدل قوله : عارفين ، كان أولى ، لأن من عرف الله ولم يؤمن به فهو كافر. وإنما اكتفى بالمعرفة وحدها الجهم ، وقوله مردود باطل ، كما تقدم. فإن إبليس عارف بربه ، (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) الحجر : ٣٦. (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ص : ٨٢ ، ٨٣. وكذلك فرعون وأكثر الكافرين. قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لقمان : ٢٥. (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) المؤمنون : ٨٤ ـ ٨٥. الى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى. وكأن الشيخ رحمهالله أراد المعرفة الكاملة المستلزمة للاهتداء ، التي يشير إليها أهل الطريقة ، وحاشا أولئك أن يكونوا من أهل الكبائر ، بل هم سادة الناس وخاصتهم.
وقوله ؛ وهم في مشيئة الله وحكمه ، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله ، الى آخر كلامه ـ فصل الله تعالى بين الشرك وغيره لأن الشرك أكبر الكبائر ، كما قال صلىاللهعليهوسلم ، وأخبر الله تعالى أن الشرك غير مغفور ، وعلّق غفران ما دونه بالمشيئة ، والجائز يعلّق بالمشيئة دون الممتنع ، ولو كان الكل سواء لما كان للتفصيل معنى. ولأنه علق هذا الغفران بالمشيئة ، وغفران الكبائر والصغائر بعد التوبة مقطوع به ، غير معلّق بالمشيئة ، كما قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر : ٥٣.