قال عمر رضي الله عنه ـ لما خرجوا يستسقون ـ : اللهم إنا كنا اذا أجدبنا نتوسل أليك بنبينا فتسقينا ، وانا نتوسل أليك بعم نبينا. معناه بدعائه هو ربه وشفاعته وسؤاله ، ليس المراد أنا نقسم عليك [به] ، أو نسألك بجاهه عندك ، إذ لو كان ذلك مرادا لكان جاه النبي صلىاللهعليهوسلم أعظم وأعظم من جاه العباس.
وتارة يقول : باتباعي لرسولك ومحبتي له وإيماني به وسائر أنبيائك ورسلك وتصديقي لهم ، ونحو ذلك. فهذا من أحسن ما يكون في الدعاء والتوسل والاستشفاع.
فلفظ التوسل بالشخص والتوجه به فيه إجمال ، غلط بسببه (٢١٥) من لم يفهم معناه : فإن أريد به التسبب به لكونه داعيا وشافعا ، وهذا في حياته يكون ، أو لكون الداعي محبا له ، مطيعا لأمره ، مقتديا به ، وذلك أهل للمحبة والطاعة والاقتداء ، فيكون التوسل إما بدعاء الوسيلة وشفاعته ، وإما بمحبة السائل واتباعه ، أو يراد به الاقسام به والتوسل بذاته ، فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه.
وكذلك السؤال بالشيء ، قد يراد به التسبب به ، لكونه سببا في حصول المطلوب ، وقد يراد [به] الإقسام به.
ومن الأول : حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار ، وهو حديث مشهور في «الصحيحين» وغيرهما ، فإن الصخرة انطبقت عليهم ، فتوسلوا الى الله بذكر أعمالهم الصالحة الخالصة ، وكل واحد منهم يقول : فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون (٢١٦). فهؤلاء دعوا الله بصالح الأعمال ، لأن الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله ، ويتوجه به إليه ، ويسأله به ، لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله.
فالحاصل أن الشفاعة عند الله [ليست] كالشفاعة عند البشر ، فإن الشفيع عند البشر كما أنه شافع للطالب شفعة في الطلب ، بمعنى أنه صار شفعا فيه بعد أن كان
__________________
(٢١٥) في الاصل : بتسببه.
(٢١٦) متفق عليه من حديث ابن عمر.