قول فلان؟! وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول ، ولا ينظر فيها ، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، المنقول إلينا عن الثقات النقلة ، الذين تخيرهم النقاد ، فانهم لم ينقلوا نظم القرآن وحده ، بل نقلوا نظمه ومعناه ، ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان ، بل يتعلمونه بمعانيه. ومن لا يسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه ، ومن يتكلم برأيه وما يظنه دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب فهو مأثوم وإن أصاب ، ومن أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور وإن أخطأ ، لكن إن أصاب يضاعف أجره.
وقوله : والرؤية حق لأهل الجنة ، تخصيص أهل الجنة بالذكر ، يفهم منه نفي الرؤية عن غيرهم. ولا شك في رؤية أهل الجنة لربهم في الجنة ، وكذلك يرونه في المحشر قبل دخولهم الجنة ، كما ثبت ذلك في «الصحيحين» عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١٦٨). ويدل عليه قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) الاحزاب : ٤٤. واختلف في رؤية أهل المحشر على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه لا يراه إلا المؤمنون. الثاني : يراه أهل الموقف ، مؤمنهم وكافرهم ، ثم يحتجب عن الكفار ولا يرونه بعد ذلك. الثالث : يراه مع المؤمنين المنافقون دون بقية الكفار. وكذلك الخلاف في تكليمه لأهل الموقف.
واتفقت الامة على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينه ، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا صلىاللهعليهوسلم خاصة : منهم من نفى رؤيته بالعين ، ومنهم من أثبتها له صلىاللهعليهوسلم. وحكى القاضي عياض في كتابه «الشفا» اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته صلىاللهعليهوسلم ، وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بعين رأسه ، وأنها قالت لمسروق حين سألها : هل رأى محمد ربه؟ فقالت : لقد قفّ شعري مما قلت ، ثم قالت : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب (١٦٨١). ثم قال : وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها ، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه ، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين. وعن ابن
__________________
(١٦٨) انظر صفحة ١٩٣.
(١٦٨١) أخرجه الشيخان وأحمد (٦ / ٤٩) في حديث لها معروف.