وأمّا الحسين بن محمد بن الحسن المعروف ب ـ «الدياربكري» (المتوفّى ٩٦٠ ه ـ) والذي يُعدّ أحد القضاة في مكة المكرّمة ، فهو الآخر يكتب في تاريخه :
ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليهالسلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبرّات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم. (١)
فهذان النصّان لعالمين من علماء القرن العاشر الميلادي يكشفان وبوضح تام أنّ ظاهرة الاحتفاء بذكرى مولد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر الأولياء والصالحين كانت من المظاهر التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإسلامي ، وكانت على مرأى ومسمع من علماء المسلمين الكبار ولم يستنكر منهم أحد هذا العمل ممّا يدلّ على صحّته وجواز إقامته ، كما أنّهم كانوا يرون انّ هذه الظاهرة نوعاً من إظهار الحب والمودة للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فكلّنا يعلم أنّ من المفاهيم المسلّمة والأُصول الثابتة في الفكر الإسلامي هو إظهار الحب والولاء والمودة للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا ما أكّدته آيات الذكر الحكيم ، حيث قال تعالى :
(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ). (٢)
كما أكّدت ذلك أيضاً الأحاديث النبوية الشريفة ، يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
(١) تاريخ الخميس : ١ / ٣٢٣.
(٢) التوبة : ٢٤.