إنّ الرواية التي تمسّك بها ابن تيميّة نقلت بثلاث صور ، والمناسب لما يرومه ابن تيمية في التحريم الصورتان التاليتان :
١. «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى». (١)
٢. «إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيليا». (٢)
ولقد تمسّك ابن تيمية بهذا الحديث مدّعياً أنّه يجوز السفر إلى هذه المساجد الثلاثة فقط لأداء المراسم العبادية ، وأمّا زيارة قبر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فغير داخلة تحت هذه الموارد الثلاثة.
وهذا الاستدلال من الوهن بمكان ، بحيث إنّ أدنى تأمّل فيه يهدمه من الأساس ، ومن هنا سنحاول تحليل الحديث ودراسته لبيان مدى وهن هذا الاستدلال وضعفه فنقول :
إنّ تحليل الحديث يتوقف على تعيين المستثنى منه ، وهو لا يخلو من إحدى صورتين :
١. لا تشدّ الرحال إلى مسجد من المساجد إلّا إلى ثلاثة مساجد ....
٢. لا تُشدّ الرحال إلى مكان من الأمكنة إلّا إلى ثلاثة مساجد ....
فلو كان المراد الصورة الأُولى كما هو الظاهر ، كان معنى الحديث النهي عن
__________________
(١ و ٢) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٦ ، باب لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد ، من كتاب الحجّ ، والصورة الثالثة للحديث : «تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد» صحيح مسلم : ٤ / ١٢٦. ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الصيغة الثالثة لا تدعم ما يرومه ابن تيمية ، وذلك لأنّ إثبات جواز السفر إلى هذه المساجد الثلاثة ، لا يلازم تحريم السفر إلى غيرها.