عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ...) (١).
وهذا الجليس لم يكن نبيّا ، ولكن كان صاحب علم من الكتاب ، ومن المعلوم أنّ هذا العلم لم يحصل له من الطرق العادية التي يدرج عليها الأولاد والشبّان في الكتاتيب والمدارس ، وإنّما هو علم إلهي احتضنه بلياقته وكفاءته ، ولأجل ذلك ينسب علمه إلى فضل ربّه ويقول : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي).
والشاهد على رسالة النبي ، إلى جانب شهادته سبحانه ، الذي يقول سبحانه في شأنه : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ، قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٢).
والسورة مكية على ما يدلّ عليه سياق آياتها ، ونقل عن الكلبي أنّه قال : «إنّها مكية إلّا هذه الآية» ، ويدفعه أنّها مختتم السورة ، قوبل بها ما في مفتتحها ، أعني قوله سبحانه : (المر ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ، وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٣) ، فيبعد جدا أن يفرق بين المتقابلين بأعوام.
فعندئذ يجب الإمعان في هذا الشاهد الذي عطفه سبحانه على نفسه ، وعدّه شاهدا على رسالة النبي كشهادة نفسه سبحانه. أفيصحّ أن يقال إنّ المراد ، القوم الذين أسلموا في المدينة ، كعبد الله بن سلام ، وتميم الداري ، وسلمان الفارسي ، مع أنّ الآية نزلت في مكّة؟.
على أنّ عطف هؤلاء في الشهادة ، على الله سبحانه ، لا يخلو من غموض وإبهام. فلا بدّ أن يكون المراد من الشاهد هنا إنسانا مثاليا ، كان موجودا في مكة ، وهو أعلم الناس بالكتاب ، حتى يصحّ أن يجعل عدلا آخر للشهادة ، ولا يكون هذا الإنسان إلّا من تربّى في حجر النبوة وحضنها ، وتحمّل علومها ، بتعليم غيبي إلهي ، لا بتعليم بشري عادي.
__________________
(١) سورة النمل : الآية ٤٠.
(٢) سورة الرعد : الآية ٤٣.
(٣) سورة الرعد : الآية ١.