بالوحي ، وكلّ ما
ستحتاج إليه الأمّة بعده ، يستودعه شخصية مثالية ، لها كفاءة تقبّل هذه المعارف
والأحكام وتحمّلها ، فتقوم هي بسد هذا الفراغ بعد رحلته صلوات الله عليه.
أمّا الاحتمال
الأول ـ فساقط جدا ، لا يحتاج إلى البحث ، فإنّه لا ينسجم مع غرض البعثة ، فإنّ في
ترك سدّ هذه الفراغات ضياعا للدين والشريعة ، وبالتالي قطع الطريق أمام رقيّ
الأمّة وتكاملها.
فبقي الاحتمالان
الأخيران ، فلا بد لتعيين واحد منهما ، دراستهما في ضوء العقل والتاريخ.
هل كانت الأمّة
مؤهلة لسدّ تلك الفراغات؟
هذه هي النقطة
الحساسة في تاريخ التشريع الإسلامي ومهمّته ، فلعلّ هناك من يزعم أنّ الأمّة كانت
قادرة على ملئ هذه الفراغات. غير أنّ التاريخ والمحاسبات الاجتماعية يبطلان هذه
النظرة ، ويضادّانها ، ويثبتان أنّه لم يقدّر للأمّة بلوغ تلك الذروة ، لتقوم بسدّ
هذه الثغرات التي خلّفها غياب النبي الأكرم ، لا في جانب التفسير ، ولا في جانب
التشريع ، ولا في جانب ردّ التشكيكات الهدّامة ، ولا في جانب صيانة الدين عن
الانحراف ، وإليك فيما يلي بيان فشل الأمّة في سدّ هذه الثغرات ، من دون أن نثبت للأمّة
تقصيرا ، بل المقصود استكشاف الحقيقة.
أمّا في جانب
التفسير ، فيكفي وجود الاختلاف الفاحش في تفسير آيات الذكر الحكيم ، وقبل كل شيء
نضع أمامك كتب التفسير ، فلا ترى آية ـ إلّا ما شذّ ـ اتّفق في تفسيرها قول الأمّة
، حتى أنّ الآيات التي يرجع مفادها إلى عمل المسلمين يوما وليلا لم تصن عن
الاختلاف ، وإليك النماذج التالية.
أ ـ قال سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) .
__________________