مفتقرا إلى محدث ويتسلسل ، وهو محال. وإن خالفه من كلّ وجه لم يكن موجودا ، لأنّ ما يخالف الموجود من كلّ وجه يكون قد خالفه في كونه موجودا ، فلا يكون موجودا. وإن ساواه من وجه دون وجه فالمحدث من الوجه الذي يساوي المحدث لا بدّ وأن يكون محدثا فيكون المحدث مركبا من القدم والحدوث ، وهو محال ، لأنّ الكلام بعينه يعود في ذلك الوجه.
الحادي والعشرون : المؤثر في الجسم إن كان موجبا لزم من قدمه قدم الجسم ، وإن كان مختارا والمختار هو الذي يكون مخيّرا بين الفعل والترك ، والترك يستحيل أن يكون عدميا ، لأنّ القادر إنّما يتخيّر فيما يكون له أثر فيه والعدم المحض لا أثر فيه وإلّا لكان العدم وجودا بل الخيرة إنّما تتحقّق بين الضدين ، فلو كان المؤثر في الجسم قادرا وجب أن يكون للجسم ضد وأن لا يخلو القادر من فعل الجسم وفعل ضدّه فهو في الأزل إن كان فاعلا للجسم كان الجسم أزليا ، وإن لم يكن فاعلا له كان فاعلا لضدّه ، وهو محال ؛ لأنّه لا يعقل للجسم ضد ، ولأنّه لو كان كذلك لكان ضدّ الجسم قديما ، والقديم يستحيل عدمه ، وإذا استحال عدم الشيء استحال وجود ضدّه فكان يلزم أن لا يوجد العالم أصلا ، فلما ثبت بطل ما ذكرتموه.
الثاني والعشرون : لو كان الجسم محدثا وجب أن لا يكون له محدث بالضرورة ، فإمّا أن يكون نفسه ، وهو محال ؛ لأنّ المحدث متقدم بالوجود على المحدث والشيء لا يتقدم على نفسه. أو غيره وهو محال ، أمّا أوّلا : فلأنّ ذلك الغير إمّا إن أثر فيه لأنّه هو لزم من دوامه دوام الجسم ، أو لا لأنّه هو فيعود التقسيم المذكور. وأمّا ثانيا : فلأنّ ذلك الغير إن كان موجبا عاد الإلزام ، وإن كان قادرا ، والقادر ما لم تفرض بينه وبين المقدور نسبة وتعلق ، استحال تأثيره فيه ، لكن حصول النسبة بينه وبين غيره موقوف على حصول ذلك الغير فلو كان حصول ذلك الغير لأجل تلك