بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحيّ من قريش يتلذّذون منهنّ مقبلات ، ومدبرات ، ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار ، وذهب يصنع لها ذلك فأنكرت ذلك عليه ، وقالت : إنما كنّا نؤتى على حرف ، فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى سرى أمرها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) يعني : موضع الولد ، (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مقبلات ، ومدبرات ومستلقيات (١).
فصل
قال عكرمة والحسن : (أَنَّى شِئْتُمْ) إنما هو الفرج (٢).
وقوله : (حَرْثٌ لَكُمْ) أي : مزرع لكم ، ومنبت للولد بمنزلة الأرض ، وهذا دليل على تحريم الأدبار ؛ لأن محلّ الحرث والزّرع هو القبل لا الدّبر ؛ وأنشد ثعلب : [الرمل]
١٠٨٢ ـ إنّما الأرحام أرضو |
|
ن لنا مخترثات |
فعلينا الزّرع فيها |
|
وعلى الله النّبات (٣) |
وقال سعيد بن المسيّب : هذا في العزل ، يعني : إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا (٤) ، سئل ابن عبّاس عن العزل ؛ فقال : حرثك ، فإن شئت فعطّش ، وإن شئت فارو (٥).
وروي عنه ؛ أنّه قال : تستأمر الحرّة في العزل ، ولا تستأمر الجارية (٦) ، وكره جماعة العزل ، وقالوا : هو الوأد الخفيّ.
وروى مالك عن نافع ؛ قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف ، فقرأت هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فقال : تدري فيما نزلت ؛ في رجل أتى امرأته في دبرها ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢١٦٤) والحاكم (٢ / ١٩٥ ، ٢٧٩) والبيهقي (٧ / ١٩٥ ـ ١٩٦) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٠٩).
وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وزاد نسبته لابن راهويه وابن المنذر والطبراني.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧١) عن عكرمة بمعناه وعزاه لابن أبي شيبة والخرائطي في «مساوئ الأخلاق».
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ١٨٠.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٠٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٧) وعزاه لعبد الرزاق عن ابن عباس.
(٦) أخرجه البيهقي (٧ / ٢٣١) وعبد الرزاق كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٧).