على الوليّ ، والشّهود ، والمراد به العقد ، وقوله ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «ولدت من نكاح ، ولم أولد من سفاح» (١) فجعل النّكاح ، كالمقابل للسّفاح.
ومعلوم أنّ السّفاح مشتمل على الوطء ، فلو كان النّكاح اسما للوطء ، لامتنع كون النّكاح مقابلا للسّفاح ، وقال تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) [النور : ٣٢] ولا يمكن حمله إلّا على العقد.
وأيضا قول الأعشى في البيت المتقدّم لا يحتمل إلّا الأمر بالعقد ؛ لأنه قال : «ولا تقربنّ جارة» يعني مقاربتها على الطّريق الّذي يحرم فاعقد وتزوّج ، وإلّا فتأيّم ، وتجنّب النّساء.
وقال الرّاغب (٢) : أصل النّكاح للعقد ، ثم استعير للجماع ، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ، ثم استعير للعقد ، لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات لاستقباحهم ذكره ؛ كاستقباحهم تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه ؛ قال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣].
وقال آخرون : هو حقيقة في الوطء ، واحتجوا بوجوه :
منها قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] نفي الحل ممتدّ إلى غاية النّكاح ، وليس هو العقد ؛ ومنها قوله صلىاللهعليهوسلم : «حتّى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك» (٣) ؛ فوجب أن يكون هو الوطء.
__________________
(١) أخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» ص (٣١٨) وأبو نعيم في «أعلام النبوة» (١ / ١١) والعدني في «مسنده» كما في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩٤) والطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» (٨ / ٢١٤) عن علي بن أبي طالب وقال الهيثمي : وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي صحح له الحاكم في المستدرك وقد تكلم فيه وبقيه رجاله ثقات.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٦) والبيهقي (٧ / ١٩) وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩٤) عن محمد الباقر وأخرجه ابن سعد (١ / ٣٢) من طريق عكرمة عن ابن عباس.
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (١ / ٢٩) : هذا حديث ضعيف فيه متروكان الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة.
وأخرجه البيهقي (٧ / ١٩٠) والطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (٨ / ٢١٥) من طريق المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس.
قال الهيثمي : ولم أعرف المديني ولا شيخه وبقية رجاله وثقوا وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (١ / ٣٢) عن عائشة بلفظ خرجت من نكاح غير سفاح.
(٢) ينظر : المفردات للراغب ٥٢٦.
(٣) أخرجه البخاري (٧ / ٧٦) كتاب الطلاق باب من أجاز طلاق الثلاث (٥٢٦٠) و (٧ / ١٠٠) كتاب الطلاق باب إذا طلقها ثلاثا ... رقم (٥٣١٧) و (٨ / ٤٢) رقم (٦٠٨٤) ومسلم (٤ / ١٥٤ ـ ١٥٥) ـ