تقدم الكلام في قوله : «يعلم المفسد من المصلح» في قوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) [البقرة : ١٤٣] ، والمفسد والمصلح جنسان هنا ، وليس الألف واللام لتعريف المعهود ، وهذا هو الظّاهر. وقد يجوز أن تكون للعهد أيضا.
وفي قوله : «تخالطوهم» التفات من ضمير الغيبة في قوله : «ويسألونك» إلى الخطاب لينبّه السّامع إلى ما يلقى إليه. ووقع جواب السّؤال بجملتين :
إحداهما من مبتدأ ، وخبر ، وأبرزت ثبوتية منكّرة المبتدإ لتدلّ على تناوله كلّ إصلاح على طريق البدليّة ، ولو أضيف لعمّ ، أو لكان معهودا في إصلاح خاص ، وكلاهما غير مراد ، أمّا العموم ، فلا يمكن ، وأمّا المعهود فلا يتناول غيره ؛ فلذلك أوثر التّنكير الدّالّ على عموم البدل ، وأخبر عنه ب «خير» الدّالّ على تحصيل الثّواب ، ليتبادر المسلم إليه. والآخر من شرط ، وجزاء ، دالّ على جواز الوقوع لا على طلبه وندبيّته.
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مفعول «شاء» محذوف ، أي : إعناتكم. وجواب لو : «لأعنتكم».
[والمشهور قطع همزة «لأعنتكم»] ؛ لأنّها همزة قطع. وقرأ البزيّ (١) عن ابن كثير في المشهور بتخفيفها بين بين ، وليس من أصله ذلك ، وروي سقوطها ألبتّة ، وهي كقراءة : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ١٧٣] شذوذا وتوجيها. ونسب بعضهم هذه القراءة إلى وهم الرّاوي ، باعتبار أنه اعتقد في سماعه التّخفيف إسقاطا ، لكنّ الصّحيح ثبوتها شاذة.
و «العنت» : المشقّة و «الإعنات» الحمل على مشقّة لا تطاق ، يقال : أعنت فلان فلانا ، إذا أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه ، وتعنّته تعنّتا : إذا لبّس عليه في سؤاله ، وعنت العظم المجبور : إذا انكسر بعد الجبر ، وأكمة عنوت : إذا كانت شاقّة كدودا ، وعنت الدّابّة تعنّت عنتا : إذا حدث في قوائمها كسر بعد جبر ، لا يمكنها معه الجري. قال ابن الأنباري (٢) : أصل العنت الشّدّة ؛ تقول العرب : فلان يتعنت فلانا ، ويعنته إذا شدّد عليه ، وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. وقال تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة : ١٢٨] ، أي : شديد عليه ما شقّ عليكم.
ويقال : أعنتني في السّؤال ، أي : شدّد علي وطلب عنتي وهو الإضرار.
قال ابن عباس : لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا لكم (٣).
__________________
(١) انظر الشواذ ١٣ ، والبحر المحيط ٢ / ١٧٢ ، والدر المصون ١ / ٥٤٠.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٥.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٥٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٥٧) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.