قال ابن الخطيب (١) : لما تقدمت الآيات الكثيرة في الحث على الإنفاق ، قال بعدها «للفقراء» أي : ذلك الإنفاق المحثوث عليه للفقراء وهذا كما إذا تقدم ذكر رجل ، فتقول : عاقل لبيب ، والمعنى : أن ذلك الذي مرّ وصفه عاقل لبيب ، وكذلك الناس يكتبون على الكيس يجعلون فيه الذهب ، والفضّة : ألفان ، أو مائتان ، أي : ذلك الذي في الكيس ألفان ، أو مائتان.
وأنشد ابن الأنباري : [الرجز]
١٢٣٧ ـ تسألني عن زوجها أيّ فتى |
|
خبّ جروز وإذا جاع بكى (٢) |
يريد : هو خبّ.
الثالث : أنّ اللام تتعلّق بقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) وهو مذهب القفّال ، واستبعده الناس ؛ لكثرة الفواصل.
الرابع : أنه متعلّق بقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) وفي هذا نظر ؛ من حيث إنه يلزم فيه الفصل بين فعل الشرط وبين معموله بجملة الجواب ، فيصير نظير قولك : من يكرم أحسن إليه زيدا. وقد صرّح الواحديّ بالمنع من ذلك ، معلّلا بما ذكرناه ، فقال : ولا يجوز أن يكون العامل في هذه اللام «تنفقوا» الأخير في الآية المتقدمة الكريمة ؛ لأنه لا يفصل بين العامل ، والمعمول بما ليس منه ، كما لا يجوز : «كانت زيدا الحمّى تأخذ».
الخامس : أنّ «للفقراء» بدل من قوله : (فَلِأَنْفُسِكُمْ) ، وهذا مردود ؛ قال الواحدي ، وغيره : «لأنّ بدل الشيء من غيره ، لا يكون إلا والمعنى مشتمل عليه ، وليس كذلك ذكر النفس ههنا ؛ لأنّ الإنفاق من حيث هو عائد عليها ، وللفقراء من حيث هو واصل إليهم ، وليس من باب (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] ؛ لأنّ الأمر لازم للمستطيع خاصة» قال شهاب الدين رحمهالله تعالى : يعني أنّ الفقراء ليست هي الأنفس ، ولا جزءا منها ، ولا مشتملة عليها ، وكأن القائل بذلك توهّم أنه من باب قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] في أحد التأويلين.
والفقير : قيل : أصله من : «فقرته الفاقرة» ، أي : كسرت فقارات ظهره الداهية. قال الراغب (٣) : وأصل الفقير : هو المكسور الفقار ، يقال : «فقرته الفاقرة» أي : الداهية تكسر الفقار ، و «أفقرك الصّيد [فارمه»] أي أمكنك من فقاره ، وقيل : هو من الفقرة ، أي : الحفرة ، ومنه قيل لكلّ حفرة يجتمع فيها الماء : فقير. وفقرت للفسيل : حفرت له حفرة ؛ غرسته فيها ؛ قال : [السريع أو الرجز]
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٧٠.
(٢) البيت للشماخ : ينظر ديوانه (١٠٧) ، المحتسب ١ / ٦٠ ، الدر المصون ١ / ٦٥٤.
(٣) ينظر : المفردات للراغب ٣٩٧.