ويقولون في جمعها : سنوات فقلبوا الواو تاء ، والأصل : أسنووا ، فأبدلوها كما أبدلوها في تجاه وتخمة ؛ كما تقدّم ، فأصله : يتسنّى فحذفت الألف جزما.
وإما من لفظ «مسنون» وهو المتغير ، ومنه (حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٨] ، والأصل : يتسنّن ، بثلاث نونات ، فاستثقل توالي الأمثال ، فأبدلنا الأخيرة ياء ؛ كما قالوا في تظنّن : تظنّى ، وفي قصّصت أظفاري : قصّيت ، ثم أبدلنا الياء ألفا ؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت جزما ، قاله أبو عمرو ، وخطّأه الزجاج (١) ، قال : «لأنّ المسنون : المصبوب على سنن الطريق».
وحكي عن النقّاش أنه قال : «هو مأخوذ من أسن الماء» أي : تغيّر ، وهذا وإن كان صحيحا معنى ، فقد ردّ عليه النحاة قوله ؛ لأنه فاسد اشتقاقا ، إذ لو كان مشتقا من «أسن الماء» لكان ينبغي حين يبنى منه تفعّل ، أن يقال تأسّن. ويمكن أن يجاب عنه : أنه يمكن أن يكون قد قلبت الكلمة بأن أخّرت فاؤها ـ وهي الهمزة ـ إلى موضع لامها ، فبقي : يتسنّأ ، بالهمزة آخرا ، ثمّ أبدلت الهمزة ألفا ، كقولهم في قرأ : «قرا» ، وفي استهزأ : «استهزا» ثم حذفت جزما.
والوجه الثاني : أن تكون الهاء أصلا بنفسها ، ويكون مشتقا من لفظ «سنة» أيضا ، ولكن في لغة من يجعل لامها المحذوفة هاء ، وهم الحجازيون ، والأصل : سنيهة ، يدلّ على ذلك التصغير والتكسير ، قالوا : سنيهة ، وسنيهات ، وسانهت ؛ قال شاعرهم :
١٢٠٤ ـ وليست بسهناء ولا رجبيّة |
|
ولكن عرايا في السّنين الجوائح (٢) |
ومعنى «لم يتسنّه» على قولنا : إنّه من لفظ السّنة ، أي : لم يتغيّر بمرّ السنين عليه ، بل بقي على حاله ، وهذا أولى من قول أبي البقاء (٣) في أثناء كلامه : «من قولك : أسنى يسني ، إذا مضت عليه سنون» ؛ لأنه يصير المعنى : لم تمض عليه سنون ، وهذا يخالفه الحسّ ، والواقع.
وقرأ أبيّ (٤) ؛ «لم يسّنّه» بإدغام التّاء في السّين ، والأصل : «لم يتسنّه».
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٣٤١.
(٢) البيت لسويد بن الصامت. ينظر : لسان العرب (سنه) ، (عرا) ، ومجالس ثعلب ١ / ٧٦ ، معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٣ ، أمالي القالي ١ / ٢١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٤ ، ٤١٨ ، والطبري ٣ / ٣٩ ، الدر المصون ١ / ٦٢٦ ، القرطبي ٣ / ١٩٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٩٦.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.
(٤) وبها قرأ طلحة بن مصرف.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٤ ، والدر المصون ١ / ٦٢٦.