فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام فنزلت (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ...)(١).
وقال مسروق : كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصّران قبل مبعث النّبي صلىاللهعليهوسلم ثم قدما المدينة في نفر من النّصارى يحملون الطّعام فلزمهما أبوهما ، وقال لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا رسول الله أيدخل بعضي النّار وأنا أنظر ، فأنزل الله تعالى (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، فخلى سبيلهما (٢).
وقال قتادة وعطاء : نزلت في أهل الكتاب إذا قبلوا الجزية ، وذلك أنّ العرب كانت أمّة أمّية لم يكن لهم كتاب ، فلم يقبل منهم إلّا الإسلام ، فلما أسلموا طوعا ، أو كرها ؛ أنزل الله تعالى (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ؛ فأمر بقتال أهل الكتاب إلى أن يسلموا ، أو يقرّوا بالجزية ، فمن أعطى منهم الجزية ، لم يكره على الإسلام (٣).
وقال ابن مسعود كان هذا في ابتداء الإسلام ، قبل أن يؤمر بالقتال ، فصارت منسوخة بآية السّيف (٤). ومعنى (تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) ، أي : تميّز الحقّ من الباطل ، والإيمان من الكفر ، والهدى من الضّلالة بالحجج والآيات الظّاهرة.
قوله : «بالطّاغوت» متعلّق ب «يكفر» ، والطاغوت بناء مبالغة كالجبروت والملكوت. واختلف فيه ، فقيل : هو مصدر في الأصل ، ولذلك يوحّد ويذكّر ، كسائر المصادر الواقعة على الأعيان ، وهذا مذهب الفارسيّ ، وقيل : هو اسم جنس مفرد ، فلذلك لزم الإفراد والتّذكير ، وهذا مذهب سيبويه (٥) رحمهالله. وقيل هو جمع ، وهذا مذهب المبرّد ، وهو مؤنّث لقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) [البقرة : ٢٥٧] قال أبو علي الفارسي : وليس الأمر كذلك ، لأن «الطّاغوت» مصدر كالرّغبوت ، والرّهبوت ، والملكوت ، فكما أنّ هذه الأسماء آحاد ، كذلك هذا الاسم مفرد ، وليس بجمع ومما يدلّ على أنّه مصدر مفرد وليس بجمع قوله تبارك وتعالى : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) ، فأفرد في موضع الجمع ، كما يقال هم رضا ، وهم عدل (٦) انتهى. وهو مؤنّث لقوله تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) [الزمر : ١٧].
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤١١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٣) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) أخرجه عبد بن حميد عن عبد الله بن عبيدة كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٣).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤١٣) عن قتادة. وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٣) لعبد بن حميد وأبي داود في ناسخه.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٢٤٠).
(٥) ينظر : الكتاب لسيبويه ٢ / ٢٢.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٤.