واختلفوا في تفسيره ، فقال الحسن : القدس ، هو الله ـ تعالى ـ وروحه جبريل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ والإضافة للتّشريف (١).
والمعنى أعناه بجبريل في أوّل أمره ، ووسطه ، وآخره.
أمّا أوله ؛ فلقوله تعالى : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢].
وأما الوسط ، فلأن جبريل علّمه العلوم ، وحفظه من الأعداء.
وأما آخر أمره ، فحين أرادت اليهود قتله أعانه جبريل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ورفعه إلى السّماء ، ويدلّ على أنّ روح القدس جبريل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ؛ قوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) [النحل : ١٠٢].
ونقل عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنّ روح القدس هو الاسم الذي كان يحيي عيسى عليهالسلام به الموتى (٢).
وقال أبو مسلم (٣) : روح القدس الذي أيّده به يجوز أن يكون الروح الطاهرة التي نفخها الله تعالى فيه وميزه بها عن غيره من المخلوقات ممن خلق من اجتماع نطفتي الذكر والأنثى.
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مفعوله محذوف ، فقيل : تقديره : ألّا تختلفوا وقيل : ألّا تقتتلوا.
وقيل : ألّا تؤمروا بالقتال.
وقيل : أن يضطرّهم إلى الإيمان ، وكلّها متقاربة.
و (مِنْ بَعْدِهِمْ) متعلّق بمحذوف ، لأنه صلة ، والضّمير يعود على الرّسل.
وقيل يعود على موسى ، وعيسى ، والاثنان جمع.
قال القرطبيّ (٤) : والأوّل ظاهر اللّفظ ، وأنّ القتال إنّما وقع ممّن جاءوا بعدهم وليس كذلك ، بل المراد ما اقتتل الناس بعد كلّ نبي ، وهذا كما تقول : «اشتريت خيلا ، ثمّ بعتها». وهذه عبارة جائزة ، وأنت إنّما اشتريت فرسا وبعته ثم آخر وبعته ، ثم آخر وبعته ، وكذلك هذه النّوازل (٥) ، إنما اختلف النّاس بعد كلّ نبي ، فمنهم من آمن ، ومنهم من كفر بغيا وحسدا.
و (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ) فيه قولان :
أحدهما : أنه بدل من قوله : (مِنْ بَعْدِهِمْ) بإعادة العامل.
والثاني : أنه متعلّق باقتتل ، إذ في البيّنات ـ وهي الدلالات الواضحة ـ ما يغني عن
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٧٢.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٦ / ١٧٢) عن ابن عباس.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٧٢.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٧٣.
(٥) في ب : هو النوازل.