وعلى هذا الوجه فيكون تفسير قوله : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ، أي : لغلب على أهل الأرض القتل والمعاصي ، وذلك يسمّى فسادا. قال تعالى : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] وقال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [القصص : ١٩].
الرابع : ولو لا دفع الله بالمؤمنين ، والأبرار عن الكفّار ، والفجّار ، لفسدت الأرض ولهلكت بمن فيها. قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «إنّ الله ليدفع بالمسلم الصّالح عن مائة أهل بيت من جيرانه» (١). وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «إنّ الله يدفع بمن يصلّي من أمّتي عمّن لا يصلّي ، وبمن يزكّي عمن لا يزكّي ، وبمن يصوم عمّن لا يصوم وبمن يحجّ عمّن لا يحجّ ، وبمن يجاهد عمّن لا يجاهد ، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء لما أنظرهم الله طرفة عين» ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (٢).
ويدلّ على صحّة هذا القول قوله تعالى : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) [الكهف : ٨٢]. وقال تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ٢٥] وقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣]. وعلى هذا التأويل يكون معنى قوله : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ، أي : لأهلك الله أكثر أهلها لكثرة الكفّار والعصاة.
قال القرطبيّ (٣) : وقيل : هم الأبدال ، وهم أربعون رجلا ، كلّما مات واحد أبدل آخر ، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم اثنان وعشرون بالشّام ، وثمانية عشر بالعراق.
وروي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الأبدال يكونون بالشّام وهم أربعون رجلا كلّما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلا يستقى بهم الغيث وينصرهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء» (٤).
__________________
ـ والسلطان حارس فما لا أس له فهو متهدم وما لا حارس له فهو ضائع.
والحديث لم أجده في شيء من كتب الحديث.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٧٤) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٢٥٦) وابن عدي في «الكامل» (٢ / ٧٩٠) والعقيلي في «الضعفاء» (٤ / ٤٠٤) والطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٨ / ١٦٤) وقال الهيثمي : وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف.
وقال العقيلي : يحيى بن سعيد العطار شامي منكر الحديث لا يتابع على حديثه.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» «الجامع لأحكام القرآن» (٢ / ١٦٩).
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٦٩.
(٤) أخرجه أحمد (١ / ١١٢) وابن عساكر (١ / ٦١ ـ تهذيب) والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٧) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.