وهذه الهاء هل هي أصل بنفسها ، فيكون فيه لغتان ، ووزنه على هذا فاعول ليس إلّا ، أو بدل من التّاء ؛ لأنها قريبة منها لاجتماعهما في الهمس ، أو إجراء لها مجرى تاء التّأنيث؟ قال الزّمخشريّ : «فإن قلت : ما وزن التابوت؟ قلت : لا يخلو أن يكون فعلوتا ، أو فاعولا ، فلا يكون فاعولا لقلته نحو سلس وقلق» يعني : في الأوزان العربيّة ، ولا يجوز ترك المعروف [إليه] فهو إذا فعلوت من التّوب وهو الرّجوع ؛ لأنّه ظرف تودع فيه الأشياء ، فيرجع إليه كلّ وقت.
وأمّا من قرأ بالهاء فهو فاعول عنده ، إلّا من يجعل هاءه بدلا من التّاء لاجتماعهما في الهمس ، ولأنّهما من حروف الزّيادة ، ولذلك أبدلت من تاء التّأنيث.
قوله : «فيه سكينة» يجوز أن يكون «فيه» وحده حالا من التّابوت ، فيتعلّق بمحذوف ، ويرتفع «سكينة» بالفاعليّة ، والعامل فيه الاستقرار ، والحال هنا من قبيل المفردات ، ويجوز أن يكون «فيه» خبرا مقدّما ، و «سكينة» مبتدأ مؤخرا ، والجملة في محلّ نصب على الحال ، والحال هنا من قبيل الجمل ، و «سكينة» فعيلة من السكون ، وهو الوقار. أي هو سبب سكون قلوبكم ، فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت ، ونظيره (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) [التوبة : ٤٠] قيل : كان التّابوت سبب سكون قلوبهم ، فأينما كانوا سكنوا إليه ، ولم يفرّوا عن التّابوت ، إذا كان معهم في الحرب.
وقرأ أبو السّمّال بتشديد الكاف ، قال الزّمخشريّ : «وهو غريب».
قوله : «من ربّكم» يجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه صفة ل «سكينة» ، ومحلّه الرّفع. ويجوز أن يتعلّق بما تعلّق به «فيه» من الاستقرار. و «من» يجوز أن تكون لابتداء الغاية ، وأن تكون للتبعيض. وثمّ مضاف محذوف ، أي : من سكينات ربكم.
فصل
اعلم أنّ مجيء التّابوت لا بدّ وأن يكون على وجه خارق للعادة ؛ حتّى يصح كونه آية من عند الله دالّة على صدق تلك الدّعوة ، وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المعجز نفس التّابوت.
قال أصحاب الأخبار : إنّ الله تعالى ، أنزل على آدم تابوتا فيه صور الأنبياء من أولاده ، وكان من عود من الشمشار نحوا من ثلاثه أذرع في ذراعين ، فكان عند آدم إلى أن مات فتوارثه أولاده إلى أن وصل إلى يعقوب ، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه ، وكان عنده إلى أن مات ، ثمّ تداولته أنبياء بني إسرائيل ، وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلّم ، وحكم بينهم ، وإذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم ، ليستفتحوا على عدوّهم ، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ، ثمّ يقاتلون العدوّ ، فإذا سمعوا من