العلماء : وهذا الوباء يرسله الله نقمة ، وعقوبة على من يشاء من عصاة عبيده ، وكفرتهم ، وقد يرسله الله شهادة ، ورحمة للصّالحين ، كقول معاذ في طاعون عمواس : إنّه شهادة ورحمة لكم ، ودعوة نبيكم ، وهي قوله عليه الصّلاة والسّلام : «اللهم أعط معاذا وأهله نصيبهم من رحمتك» (١) ، فطعن في كفّه ـ رضي الله عنه ـ.
فصل
وروى البخاريّ : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال حين ذكر الوباء : «إنّه رجز ، أو عذاب عذّب به بعض الأمم ، ثمّ بقي منه بقيّة ، فيذهب المرّة ، ويأتي الأخرى ، فمن سمع به بأرض ، فلا يقدمنّ عليه ، ومن كان بأرض وقع بها ، فلا يخرج فرارا منه» وعمل عمر ـ رضي الله عنه ـ بمقتضى هذا الحديث لمّا رجعوا من «سرغ» حين أخبرهم ابن عوف بهذا الحديث. وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ «الفارّ من الوباء كالفارّ من الزّحف» (٢).
قال الطّبريّ : يجب على المرء توقّي المكاره قيل نزولها ، وتجنّب الأشياء المخيفة قبل هجومها ، وكذلك كلّ متّقى من غوائل الأمور ، سبيله إلى ذلك سبيل الطّاعون ، ونظيره قوله عليه الصّلاة والسّلام : «لا تتمنّوا لقاء العدّو واسألوا الله العفو والعافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا» (٣) ، ولما خرج عمر ـ رضي الله عنه ـ مع أبي عبيدة إلى الشّام فسمع عمر أنّ الوباء بها فرجع ، فقال له أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ، فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟! نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ، والمعنى لا محيص للإنسان عمّا قدّره الله عليه ، لكن أمرنا الله من التّحرّز من المخاوف ، والمهلكات ، وباستفراع الوسع في التّوقّي من المكروهات ، ثمّ قال له : أرأيت لو كانت لك إبل ، فهبطت واديا له عدوتان ، إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة ، رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ فرجع عمر من موضعه ذلك إلى المدينة.
قوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ).
__________________
في الثلاث. وله شاهد من حديث عائشة :
أخرجه أحمد (٦ / ١٣٣ ، ١٤٥ ، ٢٥٥) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد : (٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥) وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والبزار ورجال أحمد ثقات وبقية الأسانيد حسان.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٣) وزاد نسبته لابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين.
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣ / ١٥٣ ـ ١٥٤).
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٢.
(٣) أخرجه مسلم كتاب الجهاد باب ٦ رقم (٢٠) وأبو داود كتاب الجهاد ٩٧٥ والبيهقي (٩ / ٧٦ ، ١٥٢) وعبد الرزاق (٩٥١٣ ، ٩٥١٨) والدارمي (٢ / ٢١٦).