أحدها : أنّ هذه الصلاة تؤدّى بعد طلوع الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، وهذا الزمان ليس فيه ظلمة باقية ، ولا ضوء تام فكأنّه ليس بليل ولا نهار ، فكان متوسّطا بينهما.
وثانيها : أنّ النهار حصل فيه صلاتان : الظهر ، والعصر ؛ وفي الليل صلاتان : المغرب ، والعشاء ؛ وصلاة الصبح كالمتوسطة بين صلاتي الليل ، وصلاتي النهار.
فإن قيل : هذه المعاني حاصلة في صلاة المغرب.
فالجواب : أنّا نرجّح صلاة الصّبح على صلاة المغرب ؛ بكثرة الفضائل ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وثالثها : أنّ الظهر ، والعصر صلاتا جمع ، وكذلك : المغرب والعشاء ، وصلاة الصبح منفردة بوقت واحد ؛ فكانت وسطا بينهما.
ورابعها : قوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] وقد ثبت أنّ المراد منه صلاة الفجر ، يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فلا تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في وقت واحد ، إلّا في صلاة الفجر ؛ فثبت أنّ صلاة الفجر قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه ؛ فكانت كالشيء المتوسّط.
وخامسها : قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام ، والقنوت ، وهذا ضعيف ، لأنه يقال لا نسلّم أنّ المراد بالقنوت طول القيام ، كما سيأتي في تفسير هذه الكلمة ، ولا نسلّم أنّ القنوت مخصوص بالفجر ؛ بل يقنت في سائر الصّلوات إذا نزل بالمسلمين ، إلّا فلا قنوت في شيء من الفرائض.
وسادسها : أنّه تعالى إنّما أفردها بالذكر ؛ لأجل التأكيد ؛ لأنها أحوج الصلوات إلى التّأكيد ، إذ ليس في الصلوات أشقّ منها ؛ لأنها تجب على الناس في ألذ أوقات النّوم ؛ فيترك النوم اللذيذ إلى استعمال الماء البارد ، والخروج إلى المسجد والتّأهب للصلاة ، ولا شكّ أن هذا شاق صعب على النفس.
وسابعها : أنها أفضل الصلوات ، فوجب أن تكون هي الوسطى. ويدل على فضيلتها وجوه:
الأول : قوله تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) [آل عمران : ١٧] فختم طاعاتهم بكونهم
__________________
ـ منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس ولابن عبد البر في «التمهيد» عن ابن عباس أيضا ولعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن الأنباري عن أبي العالية ولابن أبي حاتم عن أبي أمامة ولابن أبي شيبة عن مجاهد وجابر ولعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ولعبد الرزاق أيضا عن طاووس وعكرمة.
وأخرجه البيهقي في «سننه» (١ / ٤٦٢) عن جابر بن عبد الله وأخرجه البيهقي أيضا (١ / ٤٦٢) وسعيد ابن منصور وابن أبي شيبة وإسحق ابن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٥) عن ابن عمر.