وأيضا ، فالعفو قد يراد به التسهيل ، يقال : فلان وجد المال عفوا صفوا ، وقد تقدّم وجهه في تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] فعلى هذا عفو الرجل : أن يبعث إليها كلّ الصداق على وجه السهولة.
الثاني : أنّ ذكر الزّوج ، قد تقدّم في قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) فلو كان المراد ب (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو الزوج ، لقال : أو تعفو على سبيل المخاطبة فلمّا عبّر عنه بلفظ الغائب ، علمنا أنّ المراد منه غير الأزواج.
وأجيبوا بأنّ سبب العدول عن الخطاب إلى الغيبة ؛ التنبيه على المعنى الذي لأجله رغب الزوج في العقد ، والمعنى : أو يعفو الزوج الذي حبسها مالك عقد نكاحها عن الأزواج ، ولم يكن منها سببب في الفراق وإنّما فارقها الزوج ، فلا جرم كان حقيقا بألّا ينقصها من مهرها شيئا.
الثالث : أنّ الزوج ليس بيده عقد عقدة النكاح ألبتّة ؛ لأنه قبل النكاح كان أجنبيّا عن المرأة ، ولا قدرة له على التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وأمّا بعد النكاح ، فقد حصل النكاح ، ولا قدرة له على إيجاد الموجود ، بل له قدرة على إزالة النكاح ، والله ـ تعالى ـ أثبت العفو لمن في يده ، وفي قدرته عقد النكاح.
قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ) : «أن تعفوا» في محلّ رفع بالابتداء ؛ لأنه في تأويل «عفوكم» ، و «أقرب» خبره ، وقرأ الجمهور «تعفوا» بالخطاب ، والمراد الرجال والنساء ، فغلّب المذكّر لأنه الأصل ، والتأنيث فرع في اللّفظ ، والمعنى ؛ أمّا في اللفظ : فإنّك تقول : «قائم» ، وإذا أردت التأنيث ، قلت : «قائمة» فاللفظ الدالّ على المذكر هو الأصل ، والدالّ على المؤنّث فرع عليه ، وأمّا المعنى : فلأنّ الكمال للذّكور ، والنّقصان للإناث ؛ فلهذا متى اجتمع المذكر ، والمؤنث ـ غلّب التذكير ، والظاهر أنه للأزواج خاصّة ؛ لأنهم المخاطبون في صدر الآية ، وعلى هذا فيكون التفاتا من غائب ، وهو قوله : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ـ على قولنا إنّ المراد به الزوج ـ [وهو المختار] ـ إلى الخطاب الأول في صدر الآية ، وقرأ الشّعبيّ (١) وأبو نهيك «يعفوا» بياء من تحت ، قال أبو حيّان (٢) جعله غائبا ، وجمع على معنى : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ؛ لأنه للجنس لا يراد به واحد يعني أنّ قوله : «وأن يعفوا» أصله «يعفوون» ، فلمّا دخل الناصب ، حذفت نون الرفع ، ثم حذفت الواو التي هي لام الكلمة ، وهذه الباقية هي ضمير الجماعة ، جمع على معنى الموصول ؛ لأنه وإن كان مفردا لفظا ، فهو مجموع في المعنى ؛ لأنه جنس ، ويظهر فيه
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٢١ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٤٧ ، والدر المصون ١ / ٥٨٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢٤٧.