الله في أوقات الشغل بعبادة ذلك الشريك.
وقوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) خال من ضمير (يَتَّخِذُ) ، وقوله : (يُحِبُّونَهُمْ) بدل من (يَتَّخِذُ) بدل اشتمال ، لأن الاتخاذ يشتمل على المحبة والعبادة ، ويجوز كونه صفة لمن ، وجوّز أن يكون صفة لأندادا لكنه ضعيف لأن فيه إيهام الضمائر لاحتمال أن يفهم أن المحب هم الأنداد يحبون الذين اتخذوهم ، والأظهر أن يكون حالا من (من) تفظيعا لحالهم في هذا الاتخاذ وهو اتخاذ أنداد سووها بالله تعالى في محبتها والاعتقاد فيها.
والمراد بالأنداد هنا وفي مواقعه من القرآن ، الأصنام لا الرؤساء (١) كما قيل ، وعاد عليهم ضمير جماعة العقلاء المنصوب في قوله : (يُحِبُّونَهُمْ) لأن الأصنام لما اعتقدوا ألوهيتها فقد صارت جديرة بضمير العقلاء على أن ذلك مستعمل في العربية ولو بدون هذا التأويل ، والمحبة هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو ميل النفس إلى الحسن عندها بمعاينة أو سماع أو حصول نفع محقق أو موهوم لعدم انحصار المحبة في ميل النفس إلى المرئيات خلافا لبعض أهل اللغة فإن الميل إلى الخلق (بضم الخاء) الحسن وإلى الفعل الحسن والكمال ، محبة أشد من محبة محاسن الذات فتشترك هذه المعاني في إطلاق اسم المحبة عليها باعتبار الحاصل في النفس وقطع النظر عن سبب حصوله.
فالتحقيق أن الحب يتعلق بذكر المرء وحصول النفع منه وحسن السمعة وإن لم يره فنحن نحب الله لما نعلمه من صفات كماله ولما يصلنا من نعمته وفضله ورحمته ، ونحب رسوله لما نعلم من كماله ولما وصل إلينا على يديه ولما نعلم من حرصه على هدينا ونجاتنا ، ونحب أجدادنا ، ونحب أسلافنا من علماء الإسلام ، ونحب الحكماء والمصلحين من الأولين والآخرين ، ولله در أبي مدين في هذا المعنى :
وكم من محب قد أحب وما رأى |
|
وعشق الفتى بالسمع مرتبة أخرى |
وبضد ذلك كله تكون الكراهية.
ومن الناس من زعم أن تعلق المحبة بالله مجاز مرسل في الطاعة والتعظيم بعلاقة اللزوم لأن طاعة المحب للمحبوب لازم عرفي لها قال الجعدي :
__________________
(١) أي الذين كانوا يتبعونهم ويطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم ، ورجّح هذا لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة : ١٦٦].