مع أهل الكتاب قال تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة : ١٠٥] الآية (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة : ١١٨] فلما استؤنف الكلام ببيان لعنة أهل الكتاب الذين يكتمون عقّب ذلك ببيان عقوبة المشركين أيضا فالقول في الاستئناف هنا كالقول في الاستئناف في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) [البقرة : ١٥٩] من كونه بيانيا أو مجردا.
وقال الفخر (الَّذِينَ كَفَرُوا) عام وهو شامل للذين يكتمون وغيرهم والجملة تذييل أي لما فيها من تعميم الحكم بعد إناطته ببعض الأفراد ، وجعل في «الكشاف» المراد من (الَّذِينَ كَفَرُوا) خصوص الذين يكتمون (١) وماتوا على ذلك وأنه ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتا ، وهو بعيد عن معنى الآية لأن إعادة وكفروا لا نكتة لها للاستغناء بأن يقال والذين ماتوا وهم كفار ، على أنه مستغنى عن ذلك أيضا بأنه مفاد الجملة السابقة مع استثنائها ، واللعنة لا يظهر أثرها إلّا بعد الموت فلا معنى لجعلهما لعنتين ، ولأن تعقيبه بقوله: (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣] يؤذن بأن المراد هنا المشركون لتظهر مناسبة الانتقال.
وإنما قال هنا (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لأن المشركين يلعنهم أهل الكتاب وسائر المتدينين الموحدين للخالق بخلاف الذين يكتمون ما أنزل من البينات فإنما يلعنهم الله والصالحون من أهل دينهم كما تقدم وتلعنهم الملائكة ، وعموم (الناس) عرفي أي الذين هم من أهل التوحيد.
وقوله : (خالِدِينَ فِيها) تصريح بلازم اللعنة الدائمة فالضمير عائد لجهنم لأنها معروفة من المقام مثل (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] ، (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [القيامة : ٢٦] ، ويجوز أن يعود إلى اللعنة ويراد أثرها ولازمها.
وقوله : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) أي لأن كفرهم عظيم يصدهم عن خيرات كثيرة بخلاف كفر أهل الكتاب.
والإنظار الإمهال ، نظره نظرة أمهله ، والظاهر أن المراد ولا هم يمهلون في نزول العذاب بهم في الدنيا وهو عذاب القتل إذ لا يقبل منهم إلّا الإسلام دون الجزية بخلاف أهل الكتاب وهذا كقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ ، يَوْمَ نَبْطِشُ
__________________
(١) يشير إلى قوله تعالى السابق : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ [البقرة : ١٥٩].