في الوحي الذي أوحى الله إليه كما تقدم ، ولمراعاة التنظير بينه وبين جالوت غريمه في الحرب ، أو كان ذلك لقبا له في قومه قبل أن يؤتى الملك ، وإنما يلقب بأمثال هذا اللقب من كان من العموم. ووزن فعلوت وزن نادر في العربية ولعله من بقايا العربية القديمة السامية ، وهذا هو الذي يؤذن به منعه من الصرف ، فإن منعه من الصرف لا علة له إلّا العلمية والعجمة ، وجزم الراغب بأنه اسم عجمي ولم يذكر في كتب اللغة لذلك ولعله عومل معاملة الاسم العجمي لمّا جعل علما على هذا العجمي في العربية ، فعجمته عارضة وليس هو عجميا بالأصالة ، لأنه لم يعرف هذا الاسم في لغة العبرانيين كداود وشاوول ، ويجوز أن يكون منعه من الصرف لمصيره بالإبدال إلى شبه وزن فاعول ، ووزن فاعول في الأعلام عجمي ، مثل هاروت وماروت وشاوول وداود ، ولذلك منعوا قابوس من الصرف ، ولم يعتدوا باشتقاقه من القبس ، وكأنّ عدول القرآن عن ذكره باسمه شاول لثقل هذا اللفظ وخفة طالوت.
وأنّى في قوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) بمعنى كيف ، وهو استفهام مستعمل في التعجب ، تعجبوا من جعل مثله ملكا ، وكان رجلا فلاحا من بيت حقير ، إلّا أنه كان شجاعا ، وكان أطول القوم ، ولما اختاره صمويل لذلك ، فتح الله عليه بالحكمة ، وتنبأ نبوءات كثيرة ، ورضيت به بعض إسرائيل ، وأباه بعضهم ، ففي سفر صمويل أن الذين لم يرضوا به هم بنو بليعال والقرآن ذكر أن بني إسرائيل قالوا : أنى يكون له الملك علينا وهو الحق ؛ لأنهم لا بد أن يكونوا قد ظنوا أن ملكهم سيكون من كبرائهم وقوادهم. والسر في اختيار نبيئهم لهم هذا الملك أنه أراد أن تبقى لهم حالتهم الشورية بقدر الإمكان ، فجعل ملكهم من عامتهم لا من سادتهم ، لتكون قدمه في الملك غير راسخة ، فلا يخشى منه أن يشتد في استعباد أمته ، لأن الملوك في ابتداء تأسيس الدول يكونون أقرب إلى الخير لأنهم لم يعتادوا عظمة الملك ولم ينسوا مساواتهم لأمثالهم ، وما يزالون يتوقعون الخلع ، ولهذا كانت الخلافة سنّة الإسلام ، وكانت الوراثة مبدأ الملك في الإسلام ، إذ عهد معاوية ابن أبي سفيان لابنه يزيد بالخلافة بعده ، والظن به أنه لم يكن يسعه يومئذ إلّا ذلك ؛ لأن شيعة بني أمية راغبون فيه ، ثم كانت قاعدة الوراثة للملك في دول الإسلام وهي من تقاليد الدول من أقدم عصور التاريخ ، وهي سنة سيئة ولهذا تجد مؤسسي الدول أفضل ملوك عائلاتهم ، وقواد بني إسرائيل لم يتفطنوا لهذه الحكمة لقصر أنظارهم ، وإنما نظروا إلى قلة جدته ، فتوهموا ذلك مانعا من تمليكه عليهم ، ولم يعلموا أن الاعتبار بالخلال النفسانية ، وأن الغنى غنى النفس لا وفرة المال وما ذا تجدي وفرته إذا لم يكن ينفقه في المصالح ،