والعفو عنه.
وحقيقة الجناح الإثم كما تقدم في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة: ١٥٨]. ولا يعرف إطلاق الجناح على غير معنى الإثم ، ولذلك حمله جمهور المفسرين هنا على نفي الإثم في الطلاق ، ووقع في «الكشاف» تفسير الجناح بالتبعة فقال : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) لا تبعة عليكم من إيجاب المهر ثم قال : والدليل على أن الجناح تبعة المهر ، قوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَ) إلى قوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) فقوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) إثبات للجناح المنفي ثمة» وقال ابن عطية وقال قوم : لا جناح عليكم معناه لا طلب بجميع المهر فعلمنا أن صاحب «الكشاف» مسبوق بهذا التأويل ، وهو لم يذكر في «الأساس» هذا المعنى للجناح حقيقة ولا مجازا ، فإنما تأوله من تأوله تفسيرا لمعنى الكلام كله لا لكلمة (جُناحَ) وفيه بعد ، ومحمله على أن الجناح كناية بعيدة عن التبعة بدفع المهر. والوجه ما حمل عليه الجمهور لفظ الجناح ، وهو معناه المتعارف ، وفي «تفسير ابن عطية» عن مكي بن أبي طالب «لا جناح عليكم في الطلاق قبل البناء ؛ لأنه قد يقع الجناح على المطلق بعد أن كان قاصدا للذوق ، وذلك مأمون قبل المسيس» وقريب منه في الطيبي عن الراغب ـ أي في «تفسيره» ـ.
فالمقصود من الآية تفصيل أحوال دفع المهر أو بعضه أو سقوطه ، وكأن قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) إلى آخره تمهيد لذلك وإدماج لإباحة الطلاق قبل المسيس لأنه بعيد عن قصد التذوق ، وأبعد من الطلاق بعد المسيس عن إثارة البغضاء بين الرجل والمرأة ، فكان أولى أنواع الطلاق بحكم الإباحة الطلاق قبل البناء.
قال ابن عطية وغيره : إنه لكثرة ما خص الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمنين على أن يقصدوا من التزوج دوام المعاشرة ، وكان ينهى عن فعل الذواقين الذين يكثرون تزوج النساء وتبديلهن ، ويكثر النهي عن الطلاق حتى قد يظن محرما ، فأبانت الآية إباحته بنفي الجناح بمعنى الوزر.
والنساء : الأزواج ، والتعريف فيه تعريف الجنس ، فهو في سياق النفي للعموم ، أي لا جناح في تطليقكم الأزواج ، و (ما) ظرفية مصدرية ، والمسيس هنا كناية عن قربان المرأة.
و (أو) في قوله : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) عاطفة على (تَمَسُّوهُنَ) المنفي ، و (أو) إذا وقعت في سياق النفي تفيد مفاد واو العطف فتدل على انتفاء المعطوف والمعطوف عليه