ما لم تقم قرينة على خلافه فما قال : (وَعَلَى الْوارِثِ) إلّا لأن الكلام على الحق تعليق بهذا الشخص في تركة الميت وإلّا لقال : وعلى الأقارب أو الأولياء مثل ذلك على أنه يكون كلاما تأكيدا حينئذ ؛ لأن تحريم الإضرار المذكور قبله لم يذكر له متعلق خاص ؛ فإن فاعل (تُضَارَّ) محذوف. والنهي دال على منع كل إضرار يحصل للوالدة فما فائدة إعادة تحريم ذلك على الوارث كما قدمناه آنفا.
واتفق علماء الإسلام على أن ظاهر الآية غير مراد ؛ إذ لا قائل بوجوب نفقة المرضع على وارث الأب ، سواء كان إيجابها على الوارث في المال الموروث بأن تكون مبدأة على المواريث للإجماع على أنه لا يبدأ إلّا بالتجهيز ثم الدين ثم الوصية ، ولأن الرضيع له حظه في المال الموروث وهو إذا صار ذا مال لم تجب نفقته على غيره أم كان إيجابها على الوارث لو لم يسعها المال الموروث فيكمّل من يده ، ولذلك طرقوا في هذا باب التأويل إما تأويل معنى الوارث وإما تأويل مرجع الإشارة وإما كليهما.
فقال الجمهور : المراد وارث الطفل أي من لو مات الطفل لورثه هو ، روي عن عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء وإسحاق وابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل فيتقرر بالآية ، أن النفقة واجبة على قرابة الرضيع وهم بالضرورة قرابة أبيه أي إذا مات أبوه ولم يترك مالا : تجب نفقة الرضيع على الأقارب. على حسب قربهم في الإرث ويجري ذلك على الخلاف في توريث ذي الرحم المحرم فهؤلاء يرون حقا على القرابة إنفاق العاجز في مالهم كما أنهم يرثونه إذا ترك مالا فهو من المواساة الواجبة مثل الدية.
وقال الضحاك وقبيصة بن ذؤيب وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز : المراد وارث الأب وأريد به نفس الرضيع. فالمعنى : أنه إذا مات أبوه وترك مالا فنفقته من إرثه. ويتجه على هذا أن يقال : ما وجه العدول عن التعبير بالولد إلى التعبير بالوارث؟ فتجيب بأنه للإيماء إلى أن الأب إنما وجبت عليه نفقة الرضيع لعدم مال للرضيع ، فلهذا لما اكتسب مالا وجب عليه في ماله ؛ لأن غالب أحوال الصغار ألا تكون لهم أموال مكتسبة سوى الميراث ، وهذا تأويل بعيد ؛ لأن الآية تكون قد تركت حكم من لا مال له.
وقيل : أريد بالوارث المعنى المجازي وهو الذي يبقى بعد انعدام غيره كما في قوله تعالى : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) [الحجر : ٢٣] يعني به أم الرضيع قاله سفيان فتكون النفقة على الأم قال التفتازاني في «شرح الكشاف» «وهذا قلق في هذا المقام إذ ليس لقولنا : فالنفقة