ابن عباس لا يخالف الصحابة إلى رأي نفسه ، حتى قال ابن عبد البر رواية طاوس وهم وغلط ، وعلى فرض صحتها ، فالمراد أن الناس كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاث تطليقات وهو معنى قول عمر «إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة» فلو كان ذلك واقعا في زمن الرسول وأبي بكر لما قال عمر إنهم استعجلوا ولا عابه عليهم ، وهذا جواب ضعيف ، قال أبو الوليد الباجي : الرواية عن طاوس بذلك صحيحة. وأقول : أما مخالفة ابن عباس لما رواه فلا يوهن الرواية كما تقرر في الأصول ، ونحن نأخذ بروايته وليس علينا أن نأخذ برأيه ، وأما ما تأولوه من أن المراد من الحديث أن الناس كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الثلاث فهو تأويل غير صحيح ومناف لألفاظ الرواية ولقول عمر «فلو أمضيناه عليهم» فإن كان إمضاؤه عليهم سابقا من عهد الرسول لم يبق معنى لقوله : «فلو أمضيناه عليهم» وإن لم يكن إمضاؤه سابقا بل كان غير ماض حصل المقصود من الاستدلال.
الخامسة ما رواه الدارقطني أن ركانة بن عبد يزيد المطلبي طلق زوجه ثلاثا في كلمة واحدة فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له : إنما هي واحدة أو إنما تلك واحدة فارتجعها. وأجاب عنه أنصار الجمهور بأنه حديث مضطرب ؛ لأنه روي أن ركانة طلق ، وفي رواية أن يزيد بن ركانة طلق وفي رواية طلق زوجه ثلاثا وزاد في بعض الروايات أنه طلقها ثلاثا وقال : أردت واحدة فاستحلفه النبي صلىاللهعليهوسلم على ذلك. وهو جواب واه لأنه سواء صحت الزيادة أم لم تصح فقد قضى النبي صلىاللهعليهوسلم بالواحدة فيما فيه لفظ الثلاث ، ولا قائل من الجمهور بالتوجيه فالحديث حجة عليهم لا محالة إلا أن روايته ليست في مرتبة معتبرة من الصحة.
السادسة ما رواه الدارقطني في حديث تطليق ابن عمر زوجه حين أمره النبي صلىاللهعليهوسلم أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإنه زاد فيه أنه طلقها ثلاثا ولا شك أن معناه ثلاثا في كلمة ، لأنها لو كانت طلقة صادفت آخر الثلاث لما جاز إرجاعها إليه ، ووجه الدليل أنه لما أمره أن يردها فقد عدها عليه واحدة فقط ، وهذا دليل ضعيف جدا لضعف الرواية ولكون مثل هذه الزيادة مما لا يغفل عنها رواة الحديث في كتب الصحيح ك «الموطأ» و «صحيح البخاري» و «مسلم». والحق أنه لا يقع إلا طلقة واحدة ولا يعتد بقول المطلق ثلاثا.
وذهب مقاتل وداود الظاهري في رواية عنه أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يقع