يشهد به أصل الاشتقاق من الألو ، وتشهد به موارد الاستعمال ، لأنا نجدهم لا يذكرون حرف النفي بعد فعل آلى ونحوه كثيرا ، ويذكرونه كثيرا ، قال المتلمس :
آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه
وقال تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا) [النور : ٢٢] أي على أن يؤتوا وقال تعالى هنا : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) فعدّاه بمن ، ولا حاجة إلى دعوى الحذف والتضمين. وأيّا ما كان فالإيلاء بعد نزول هذه الآية ، صار حقيقة شرعية في هذا الحلف على الوصف المخصوص.
ومجيء اللام في (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) لبيان أن التربص جعل توسعة عليهم ، فاللام للأجل مثل هذا لك ويعلم منه معنى التخيير فيه ، أي ليس التربص بواجب ، فللمولى أن يفىء في أقل من الأشهر الأربعة. وعدى فعل الإيلاء بمن ، مع أن حقه أن يعدّى بعلى ؛ لأنه ضمن هنا معنى البعد ، فعدي بالحرف المناسب لفعل البعد ، كأنه قال : للذين يؤلون متباعدين من نسائهم ، فمن للابتداء المجازي.
والنساء : الزوجات كما تقدم في قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) [البقرة : ٢٢٢] وتعليق الإيلاء باسم النساء من باب إضافة التحليل والتحريم ونحوهما إلى الأعيان ، مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] وقد تقدم في قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) [البقرة : ١٧٣].
والتربص : انتظار حصول شيء لغير المنتظر ، وسيأتي الكلام عليه عند قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، وإضافة ترب ص إلى أربعة أشهر إضافة على معنى «في» كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ) [سبأ : ٣٣].
وتقديم (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) على المبتدأ المسند إليه ، وهو تربص ، للاهتمام بهذه التوسعة التي وسع الله على الأزواج ، وتشويق لذكر المسند إليه. و (فاؤُ) رجعوا أي رجعوا إلى قربان النساء ، وحذف متعلق (فاؤُ) بالظهور المقصود. والفيئة تكون بالتكفير عن اليمين المذكورة في سورة العقود.
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) دليل الجواب ، أي فحنثهم في يمين الإيلاء مغفور لهم ؛ لأن الله غفور رحيم. وفيه إيذان بأن الإيلاء حرام ، لأن شأن إيلائهم الوارد فيه