الهجرة وقد ورد ذكره في سورة الإسراء وهي مكية.
والجمهور على أن المراد بالمسجد الحرام هنا الكعبة لاستفاضة الأخبار الصحيحة بأن القبلة صرفت إلى الكعبة وأن رسول الله أمر أن يستقبل الكعبة وأنه صلى إلى الكعبة يوم الفتح وقال هذه القبلة ، قال ابن العربي «وذكر المسجد الحرام والمراد به البيت لأن العرب تعبر عن البيت (١) بما يجاوره أو بما يشتمل عليه» وعن ابن عباس البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب. قال الفخر وهذا قول مالك ، وأقول لا يعرف هذا عن مالك في كتب مذهبه.
وانتصب (شَطْرَ الْمَسْجِدِ) على المفعول الثاني لولّ وليس منصوبا على الظرفية.
وقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) تنصيص على تعميم حكم استقبال الكعبة لجميع المسلمين بعموم ضميري (كُنْتُمْ) و (وُجُوهَكُمْ) لوقوعهما في سياق عموم الشرط بحيثما وحينما لتعميم أقطار الأرض لئلا يظن أن قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) خاص بالنبيء صلىاللهعليهوسلم فإن قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم اقتضى الحال تخصيصه بالخطاب به لأنه تفريع على قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) ليكون تبشيرا له ويعلم أن أمته مثله لأن الأصل في التشريعات الإسلامية أن تعم الرسول وأمته إلّا إذا دل دليل على تخصيص أحدهما ، ولما خيف إيهام أن يكون هذا الحكم خاصا به أو أن تجزئ فيه المرة أو بعض الجهات كالمدينة ومكة أريد التعميم في المكلفين وفي جميع البلاد ، ولذلك جيء بالعطف بالواو لكن كان يكفي أن يقول وولوا وجوهكم شطره فزيد عليه ما يدل على تعميم الأمكنة تصريحا وتأكيدا لدلالة العموم المستفاد من إضافة (شَطْرَ) إلى ضمير (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) لأن شطر نكرة أشبهت الجمع في الدلالة على أفراد كثيرة فكانت إضافتها كإضافة الجموع ، وتأكيدا لدلالة الأمر التشريعي على التكرار تنويها بشأن هذا الحكم فكأنه أفيد مرتين بالنسبة للمكلفين وأحوالهم أولاهما إجمالية والثانية تفصيلية.
وهذه الآيات دليل على وجوب هذا الاستقبال وهو حكمة عظيمة ، ذلك أن المقصود من الصلاة العبادة والخضوع لله تعالى وبمقدار استحضار المعبود يقوى الخضوع له فتترتب عليه آثاره الطيبة في إخلاص العبد لربه وإقباله على عبادته وذلك ملاك الامتثال
__________________
(١) في أحكام القرآن لابن العربي (الشيء) (١/٤٣) ، دار المعرفة.